لطالما عُرف المدعوّ «سلمان بن حمد آل خليفة» بأنّه الذئب الذي يرتدي ثوب الحمل، ففي وقت كان فيه النظام يصعّد من حدّة القمع والانتهاكات الصريحة بحقّ أبناء الشعب، كان يعمل على إيهام الرأي العام أنّه الشخص المعتدل الذي تهمّه مصالح الشعب، حتى نال مبتغاه واعتلى كرسيّ عمّه الذي ما تنازل عنه لنحو 40 عامًا حتى أزاحه الموت.
وفي أوّل مؤتمرٍ صحفيّ لسلمان بعد تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل والده وغصبًا عن الشعب، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بانت حقيقته وتلبّس ثوبه الحقيقيّ حين شكّك بولاءات المواطنين واتهّمهم بولاءات خارجيّة ليستغلّ هذه الاتهامات مجدّدًا لتبييض صفحته السوداء مع الشعب، ويشيد بما يسمّى «العقوبات البديلة» وتطبيق نظام السجون المفتوحة، بعد أن امتلأت السجون المغلقة بالمعارضين وسجناء الرأي وفي مقدّمتهم رموز الحراك الشعبيّ.
لم تنطل خديعة ابن حمد على المجتمع البحرانيّ الواعي، ولم تغيّر الأبواق الإعلاميّة المأجورة التي سخّرها النظام للإشادة بـ«هذه الخطوة العظيمة» شيئًا في قناعات الشعب الذي أكّد أنّه يتبنّى موقف سماحة الفقيه القائد الشيخ عيسى قاسم منها.
فسماحته، وفي خطابه عشيّة ذكرى الثورة البحرينيّة المجيدة في 13 فبراير/ شباط 2020، قال: «العقوبات البديلة» الاسم الأصل فيه في تقديري هو «الظلم البديل»، ليختصر بهذا العنوان كلّ ما تعنيه هذه العقوبات التي تبقى في نهاية الأمر عقوبات، حيث يرى سماحته أنّ خروج مظلومٍ من سجنه واسترداد حرّيته بعد سلبها لا يجب أن يقيّدهما شيء، مؤكّدًا أنّ أصل «العقوبات البديلة» -ثقُلَت هذه العقوبات أو خفّت- أنّها ظلمٌ بديلٌ عن ظلم، واستمرارٌ في سلْب الحقّ، وتَعدٍّ على حرية المواطن وكرامته؛ لأنّها عقوبة لمظلومٍ من ظالم.
ودعا إلى مقاومة «العقوبات البديلة» كالعقوبات الأصل، وشدّد على أنّه لا بدّ من تطهير المجتمع من كلّ المظالم، وأنْ لا تكون الحريّة الممنوحة من الله «عزّ وجلّ» مَحلّ المساومة أبدًا، وهي منحةٌ لا يجوز لعبدٌ من عباد الله التنازل عنها، ولا المساومة عليها، ولا التساهل في استردادها.
ولم يختلف موقف الرمز الكبير المعتقل في سجون النظام «الأستاذ حسن مشيمع» الذي يعاني أمراضًا عدّة، وبعضها يهدّد حياته، عن موقف سماحته، إذ رفض رفضًا مطلقًا الخروج من السجن تحت هذا القانون.
اليوم، ومع اقتراب ذكرى الثورة المجيدة، وتوهّم النظام أنّه نجح في الاستنجاد بصديق قويّ هو الكيان الصهيونيّ، وتمكّنه من استرداد أحد أبرز المناضلين المطلوبين «أحمد جعفر»، عمد المدعوّ سلمان بن حمد إلى إعادة هذا القانون الظالم إلى الواجهة، حيث أصدر «توجيهاته» لوزير الداخليّة الخليفيّة «راشد بن عبد الله آل خليفة» إلى التوسّع في تطبيقه، والبدء بتنفيذ برنامج «السّجون المفتوحة»، وذلك مواصلة لما أسماه النظام الخليفيّ «تطوير المنظومة التشريعيّة بما يرفد المسيرة التنمويّة في البلاد» بحسب تعبيره، على الرغم من الثغرات الحقوقيّة التي تشوب هذا القانون وفق ما أكّدته منظّمة العفو الدوليّة التي رأت أنّه يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، إذ يحرم المعتقل المُفرج عنه من حقّه في التعبير وتكوين الجمعيّات والتجمّع، إضافة إلى أنّ النظام عرَض صفقات على معتقلين لا توحي بالثّقة في مواءمة «برنامج العقوبات البديلة» هذا مع قانون حقوق الإنسان، بقمع الحقّ في التعبير الحرّ وتكوين الجمعيّات والتجمّع، مشددّة على أنّه كعقوبةٍ بديلة ليست حريّة أو عدالة، كما أكّدت تقارير المنظّمات الحقوقيّة الدوليّة أنّ نصيب المعتقلين السّياسيّين والمعتقلين بقضايا تتعلّق بحريّة التعبير، من هذا القانون ضئيل جدًا ويكاد لا يُذكر، وسط رفض النظام لمئات الطّلبات من أهالي معتقلين يستوفون الشروط التي وضعها النظام لاستبدال أحكامهم بما ينطبق عليه هذا القانون، وهو إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على أنّ هذا القانون ما هو إلّا وسيلة قمعيّة جديدة لجأ إليها النظام بعد عجزه أمام إصرار الشعب على مطالبه، وفي مقدّمتها نيل حقّه بتقرير مصيره.