قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة / 207].
كربلاء الحسين «عليه السلام» هي من صميم الهويّة البحرانيّة، لذلك حريٌّ بنا أن نتّخذها نبراسًا في كلّ ما يُحيي النفوس ويلهبها في طريق الحقّ، ومن أهمّ شخصيّات ثورة كربلاء وأعلاها العبّاس بن علي «عليه السلام»، فإنّ له دورًا محوريًّا عظيمًا بعد أخيه قائد الأحرار وسيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين «عليه السلام».
إنّ ما يشترك فيه واقعنا مع خصيصة من خصائص أبي الفضل العبّاس «عليه السلام» هو عدّة أمور، أهمّها: «الجراح»، فمعسكر عمر بن سعد «لعنه الله» اجتمعوا على العبّاس «عليه السلام»، وأكثروا فيه الإصابات حتى صار رمزًا للجرحى.
لكنّ الجراح ليست وحدها التي تجعل أحدًا رمزًا فيها، فكم من أشخاص أُذيبت أجسادهم بمواد كيميائيّة أو قُطّعت أوصلاهم، وبعضهم أُكِلَت، إذًا ما الذي يميّز جراح أبي الفضل العبّاس عن غيرها؟
نقول: اجتماع خصال وفضائل متعدّدة في شخصيّة العبّاس بن علي «عليه السلام» كان كافيًا لأن يصير رمزًا عابرًا للأزمان والأمكنة، ويكون مفخرة الإسلام وكافة الأديان والطوائف، فكان «سلام الله عليه» مثلًا للإيثار والبصيرة، والصمود في وجه الترهيب والترغيب، والتسليم والتصديق والوفاء.
وهذه الصفات يعدّدها إمام معصوم في زيارته للعبّاس، ولو كانت صفة الإيثار وحدها فيه لكفت لأن يكون في أعلى مقام الإيمان، حيث ورد عن أمير المؤمنين «عليه السلام»: «الإيثار أحسن الإحسان وأعلى مراتب الإيمان»، فما بالك وهو يتمثّل بصفات جليلة يقلّ حاملوها؟
يقول سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حسن نصرالله: «العبّاس أكثر من جريح، لكن أُخذت إحدى الصفات الأساسيّة لهذا الإنسان العظيم ليقدّم كرمزٍ وقدوة، لأنّ العبّاس هو الجريح الذي أصيب في كربلاء إصابات بالغة، قُطعت يمناه ويسراه وأُطفأت عيناه واحدة بالسهم وأخرى بالتراب، شُج رأسه وأصيب في جسده بجراحات كثيرة، ولكن العبّاس لم يَنسحب من المعركة، ولم يتوقف ولم يتراجع ولم يتزلزل، صبر وصمد حتى آخر لحظة وحتى آخر نفس وحتى آخر قطرة دم، هنا العبّاس رمزٌ للصمود والثبات والعطاء والجود والتضحية».