بسم الله الرحمن الرحيم
{الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش / ٤].
الفلسفة الرئيسة لخلق الإنس والجنّ هي عبادة الله، حيث يقول الله «عزّ وجلّ»: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فإذا انتفت عبوديّة الله بين خلقه انتفت فلسفة الوجود، لذلك لا بدّ لنا من الاطّلاع على أهمّ ما يبني طريق العبادة لله ويعبّدها في هذه الحياة.
إنّ إشباع جوع جسم الإنسان، وإحلال الطمأنينة في نفسه مكان التوتّر والخوف من أهمّ ما يبني به الإنسان طريق عبادة الله سبحانه وتعالى، أمّا كونه يعيش الفقر والحرمان والتشرّد والمطاردة، وكان من عوام الناس، وإيمانه بالله وقضائه متزلزلًا غير ثابت، فإنّ ابتعاده عن الطريق القويم أقرب إليه من العبادة.
يقول رسول الله «صلّى الله عليهم وآله وسلّم»: «كاد الفقر أن يكون كفرًا»، وهذا الحديث الشريف نستفيد منه أن ثمّة ربطًا بين الدعوة الإلهيّة للعبادة والتذكير بنعمته، فالفقر إذا استحكم اتّخذه الشيطان وأتباعه سبيلًا للتشكيك في عدل الله ورحمته، وسبب الفقر يحدّده مولانا أبو عبد الله الصادق «عليه السلام»: «إنّ الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلّا بذنوب الأغنياء، وحقيق على الله تعالى أن يمنع رحمته ممّن منع حقّ الله في ماله».
وفي البحرين، عندما أراد النظام الخليفيّ التضييق على الحراك الثوريّ استهدف النشطاء استهدافًا مباشرًا، ما اضطرّهم إلى مغادرة منازلهم، واللجوء إلى منازل أصدقائهم أو أقربائهم، أو من اقتدوا بالمرأة الموالية في الكوفة «طوعة» حينما أوت سفير الحسين «عليه السلام» «مسلم بن عقيل»، وآثروا إيواء الشباب المطارد على أمانهم من بطش الظالمين.
ولكنّنا، بالرغم من ذلك، قدّمنا ما لا يقلّ عن شهيدَين في هذا الطريق، وهما الشهيدان السعيدان «عبد الله العجوز وعلي الكوفي» (رحمهما الله)، فقد كانا مطاردَين لأوقات ليست بالقليلة، وكانت أعين العسس تلاحقهم أينما ذهبوا، حتى تمكّن جلاوزة النظام من محاصرتهما في بلدتيهما، واستشهدا أثناء محاولتهما التخلّص من قبضتهم.
يتعزّز الشعور بالحاجة الملحّة إلى إيواء المطاردين من ظلم الخليفيّين كلما اشتدّت شراسة الوضع الأمنيّ والحصار، وهذه الحاجة يلبّيها شعب البحرين من دون تردّد – إن شاء الله- وهو ما يجعل سلوكه حسينيًّا، وانتماءه كربلائيًّا، قولًا وعملًا.