النصّ الكامل لكلمة رئيس مجلس شورى ائتلاف 14 فبراير استقبالًا للموسمِ العاشورائيّ 1443 هجريّ:
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحیمِ، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ خلقِ اللهِ النبيِّ الأكرمِ محمّدٍ «صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ الطيّبينّ الطّاهرينَ».
السّلامُ على الحسينِ وعلى عليّ بنِ الحسينِ وعلى أولادِ الحسينِ وعلى أصحابِ الحسين.
إنّ مصيبةَ الحسينِ «عليهِ السّلام» وأبنائِهِ وأصحابِهِ الكرامِ قد بلغتْ عنانَ السّماءِ؛ فبكتْ لها السّمواتُ السّبعُ، وبكى لها الجنُّ والإنسُ والوحوشُ والدوابُ والأشجارُ والأطيارُ، وناحتْ لها الحيتانُ في لججِ الماءِ، فلا رقأتِ العبرةُ ولا هدأتِ الزفرةُ بعد ذلك المصاب.
عندما تعودُ ذكرى عاشوراءَ في الأوّلِ من محرّمِ الحرامِ من كلِّ عام، تعودُ معها الذكرياتُ الأليمةُ حاملةً إلى الأذهانِ صورًا من واقعةِ الطفِّ، فيعمُّ الحزنُ والأسى، وتفتحُ المآتمُ أبوابَها للمعزّينَ، وتتّشحُ الجدرانُ بالسّوادِ، وتُرفَعُ أعلامُ الحزنِ فوق البيوتِ، والكلّ يبكي حزنًا على المصابِ الجللِ، وآلُ البيتِ «عليهم السّلام» تتقدّمُهُم السّيّدةُ الزهراءُ «عليها السّلام» ينظرونَ إلى الباكينَ على مولانا الحسينِ «عليه السّلام»، والمقيمينَ العزاءَ عليه، وهم أعرفُ بهم وبأسمائهِمِ وأسماءِ آبائِهِم، وبدرجاتِهِم ومنازلِهِم في الجنّةِ، وإنّ الحسينَ «عليه السّلام» ليرى من يبكي عليه، فيستغفرُ له؛ فَلْيَبْكِ على الحسينِ الْباكُونَ، وَإِيّاهُ فَلْيَنْدُبِ النّادِبُونَ، وَلِمِثْلِهِ فَلْتَذْرِفِ الدُّمُوعُ، وَلْيَصْرُخِ الصّارِخُونَ، وَيَضِجَّ الضّاجُّونَ، وَيَعِـجَّ الْعاجُّوَن، أينَ الحسنُ؟ أينَ الحسينُ؟».
إنّنا وإذ نجتمعُ مجدّدًا في هذه الذكرى الأليمةِ، ونستقبلُ الموسمَ العاشورائيَّ في ظرفٍ استثنائيٍّ، نتوجّهُ إليكُمُ أيُّها الموالون للحسين «عليه السّلام» بكلمةٍ، نؤكّدُ من خلالِها الآتي:
أوّلاً: لا مجالَ للتهاونِ تحتَ أيِّ ذريعةٍ كانتْ في إحياءِ مراسمِ عاشوراء، لأنّها وظيفةٌ شرعيّةٌ وأمانةٌ في أعناقِنا، ويمكنُنَا ذلك بالطُّرقِ والوسائلِ التي تتناسبُ مع الوضعِ الحاليِّ والاستثنائيِّ المرتبطِ بجائحةِ كورونا، إذ يمكنُنَا بدايةً إظهارَ الحزنِ بلبسِ السّوادِ والإكثارِ من تعليقِ اليافطاتِ العاشورائيّةِ، ورفعِ الراياتِ الحسينيّةِ في المناطقِ والبلداتِ، وإقامةَ العزاءِ في المآتمِ وخارجِها في السّاحاتِ المفتوحةِ مع الاحترازاتِ الطبيّة، والعملَ بكلامِ أهلِ الخبرةِ وتوصياتِ السّادةِ العلماء، وعليه؛ لا مبرّرَ للنظامِ أو أيِّ طرفٍ «غيرِ محايدٍ» لأنْ يتّخذَ إجراءاتٍ «مشبوهةً» ضدَّ إحياءِ المراسمِ العاشورائيّةِ، فالشّعبُ الحسينيُّ الذي تربّى تحت منبرِ الإمامِ الحسينِ «عليه السّلام»، وتعلّمَ من شعاراتِهِ وإبائِهِ رفضَ الإذلالِ والإكراهِ، واستلهمَ من وحيِ رسالتِهِ الثوريّةِ خطَّهُ المقاوم، لن يقبلَ بالاعتداءِ على شعائرِهِ الحسينيّةِ، ولن يقفَ مكتوفَ الأيدي إزاءَ ذلك، بل إنّ عشاقَ الحسينِ «عليه السّلام»، وأبناءَ مدرسةِ عاشوراءَ سيدافعونَ عنها، وسيواجهونَ كلَّ من يعتدي على دينِهِم وشعائرِهِم.
ثانيًا: التشديدُ، كما في العامِ الماضي، على مراعاةِ كلِّ السّبلِ الوقائيّةِ والالتزامِ بالمعاييرِ الصّحيّةِ؛ لأنّ ذلك من صميمِ دينِنا، وما تمليه عليه عقيدتُنا، وهو ما تعلّمناهُ من الثورةِ الحسينيّةِ وتسالمَ عليه فقهاؤُنَا، فما دامَ موضوعُ الحكمِ موجودًا فالحكمُ الشّرعيُّ موجودٌ، وجائحةُ كورونا ما زالت موجودةً، فالالتزامُ إذن والتقيّدُ بالضوابطِ الصّحيّةِ وظيفةٌ شرعيّةٌ لا مناصَ عنها، ونسألُ اللهَ «عزَّ وجلَّ» أن يحفظَ الجميعَ، ويرفعَ البلاءَ عن بلادِنا وعن جميعِ البلدانِ بحقّ الإمامِ الحسينِ «عليه السّلام».
ثالثًا: إنّ الشّعبَ الذي عشقَ الحسينَ «عليه السّلام» وتعلّمَ من مدرستِهِ كلَّ معاني الصّمودِ والإرادةِ والتضحيةِ، والذي يملكُ وعيًا وبصيرةً واستعدادًا كافيًا في سبيل الوصولِ إلى هدفِهِ لن يتراجعَ ولن يعجزَ، مهما تطلّبَ الأمرُ من صبرٍ وتضحياتٍ، وتحمّلَ الأذى والمتاعب، وشعبُنا سيستمرُّ في حراكِهِ ومسيراتِهِ والحضورِ في السّاحات، والمطالبةِ بحقّهِ في تقريرِ مصيرِهِ، حتى يرفعَ الظلمَ عنه ويستردَّ حقوقَهُ المسلوبةَ.
رابعًا: لقد وضعتْ بياناتُ القائدِ آيةِ اللهِ الشّيخِ عيسى أحمد قاسم الأخيرةِ النقاطَ على الحروفِ، وحدّدتِ المسارَ الواضحَ للمعارضةِ بكلِّ توجّهاتِها، وما ينبغي العملُ عليه من أجلِ تحقيقِ التقدّمِ المنشودِ في نيلِ الحقِّ السّياسيِّ الكاملِ وغيرِ المجزوء، ونحن في ائتلافِ شبابِ ثورةِ ١٤ فبرايرائتلافِ شبابِ ثورةِ ١٤ فبراير قد ذكرنا غيرَ مرّةٍ أنّنا مع سماحتِهِ في الخندقِ ذاتِهِ، وندعمُ كلماتِهِ الحكيمةَ وبياناتِهِ السّديدةَ، ويبقى أن نقولَ: «الحذرَ كلَّ الحذرِ من عدوٍّ ربّما قاربَ ليتغفل، ومن نظامٍ لا يعرفُ قولَ اللهِ «عزَّ وجلَّ»: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ}، ولا يلتزمُ بشيءٍ من العهودِ والمواثيقِ».
خامسًا: في ظلِّ دستورٍ مفروضٍ على الشّعب، أو ما يسمّى بدستورِ المنحةِ والتمسّكِ بالانفراديّةِ في وضعِ أُسسِهِ وتغييبِ الإرادةِ الشّعبيّةِ، يكونُ أيُّ حاكمٍ بشكلٍ منفردٍ فاقدًا للشرعيّةِ الشّعبيّةِ والقانونيّةِ والدستوريّةِ، فلا صفةٌ لهذا الدستورِ غيرَ أنّه باطلٌ، وكلُّ ما بُنيَ على هذا الباطلِ فهو باطلٌ، وهنا نؤكّدُ أنّ من أبرزِ مصاديقِ الحقِّ السّياسيِّ الكاملِ أن يكونَ لشعبِ البحرينِ دستورٌ جديدٌ يكتبُهُ بما يتناسبُ معَ تطلّعاتِهِ، وذلك عبرَ مجلسٍ تأسيسيٍّ ينتخبُه بإرادةٍ حرّةٍ.
وأخيرًا نقولُ: إنّ السّيرَ على نهجِ الحسينِ «عليه السّلام»، واتباعَ خطاه هو النجاحُ في الدنيا والسّعادةُ في الآخرةِ، وحين نستلهمُ من ثورةِ كربلاءَ الدروسَ والعبرَ ونعملُ على تطبيقِها، فإنّنا بلا شكٍّ سنحقّقُ التقدّمَ المرجوَّ في ثورتِنا المباركة، وسنصلُ إلى أهدافِها المشروعة.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وعظّمَ اللهُ أجورَنَا وأجورَكُم.
رئيس مجلس شورى ائتلاف 14 فبراير
الإثنين 9 أغسطس 2021 م
الموافق 29 ذي الحجة 1442 هـ