قال تعالى: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]
لقد نزلت هذه الآية الكريمة بعدما احتشد المسلمون الخارجون من حجّ بيت الله الحرام في «غدير خم»، وأمر الله سبحانه وتعالى نبيّ الرحمة محمّد «ص» بإبلاغ الأمّة بأمره النازل من السماء بتنصيب عليّ «ع» أميرًا للمؤمنين، وخليفة شرعيًّا للرسول بعد استشهاده.
النظرة الأوليّة تقول إنّ ثمّة أمرًا جديدًا نزل وحيًا وعلى الأمّة الطاعة، بيد أنّه لم يكن كذلك فحسب، بل كانت للرسول وظيفة البيان، على مراحل متواصلة، أنّ عليًّا وزوجه وابنيه هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا، وأنّ الوصي والخليفة من بعده هو ابن عمّه علي بن أبي طالب «ع».
هذا النداء الإلهيّ الأخير، الذي كان قبل شهور معدودة من استشهاد رسول الله «ص» شكّل وثيقة دامغة ضدّ الأعداء وسندًا للموالين، وصار مفتاحًا للدخول من باب خطّ السماء والامتداد النبويّ إلى سلسلة الإمامة الحقّة، وصولًا إلى الفقهاء الصائنين لأنفسهم، الحافظين لدينهم، المخالفين لهواهم، المطيعين لأمر مولاهم.
ما يشكّل أهميّة بالغة لنا ونحن في عصر الغيبة الكبرى، وخصوصًا إنْ كنا في موقعيّة التصدّي للشأن العام، هو الاختيار الصائب لمنهج العمل السياسيّ والشرعيّ، ولا يختلف المؤمنون العاملون بالشأن العام في ضرورة العودة إلى المرجعيّة الدينيّة السياسيّة الجامعة لأخذ الغطاء الشرعيّ للتصدّي والاهتداء بنور رأيها المُسدّد.
ومن المجاهدة الكبرى للنفس مخالفتها في أحبّ الأمور إليها، والتخلّي عن إعلاء رأيها، وتغليب الرأي الشرعيّ على الرأي الشخصيّ، والانسجام مع منهج ورثة الأنبياء ودعم خطواتهم ومشاريعهم في كافة المجالات، وخصوصًا ما يرتبط بالشأن العام.
إنّه لمن الفخر الكبير تبنّي النهج الإلهيّ والاحتكام إليه في كلّ صغيرة وكبيرة، وعدم الانحراف عنه قيد أنملة، حيث يعدّ هذا التبنّي طاعة لله ولرسوله وللأئمة الطاهرين «ع»، وإشاعة للفضيلة وإعلاءً لكلمة الله في الأرض.
…