شارك سماحة الفقيه القائد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في المنتدى الذي عقده نادي الإمام الخامنئي عبر برنامج التواصل الاجتماعي الصوتي «هاوس كلوب»، تحت عنوان «ارموا الشيطان الأكبر.. قراءة في نداء الحجّ للإمام الخامنئي»، مساء يوم الإثنين ١٩ يوليو/ تموز ٢٠٢١م.
وقد ألقى سماحته كلمة في هذا المنتدى الذي شارك فيه نخبة من الشخصيّات العلمائيّة البارزة، ومن بينها: سماحة الشيخ ماهر حمّود من لبنان، وسماحة السيّد هاشم الحيدري من العراق، وسماحة الشيخ حسين المعتوق من الكويت، وسماحة الشيخ عباس الكعبي من إيران.
وقال الفقيه القائد قاسم في كلمته إنَّ الحجّ يأتي كلّ عامٍ في مدرسته الكبرى وعطاءاته العظيمة، لِيَدفَع بالأمّة الإسلامية عامّةً على طريق التوحيد بقوّة، ويزيد من قدرتها الإيمانية بدينها وثقتها لقيمتها العليا؛ حتّى لا تُصاب بوهنٍ في مواجهة قوى الكفر والطغيان والهيمنة الاستكبارية الظالمة في الأرض، وتكون لها الغلبة على أذناب الشيطان من مستكبري العالم، داعيًا إلى مواجهة الاحتلال الصهيونيّ والمحور الذي يدعمه بالنفير العام واجتماع كلِّ الإمكانات، حتّى تنكسر إرادة العدوان ويرتدَّ خاسرًا مدحورًا.
وهذا نصّ الكلمة:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته.
من وحي نداء ولي أمر المسلمين سماحة السيد علي الخامنئي حفظه الله وأمدّ في عمره الشريف، بمناسبة موسم الحج لهذا العام.
إنّ لكل عبادةٍ من العبادات الإسلامية موقعها الخاصّ وتأثيرها التوحيدي الفكري والروحي والاجتماعي والسياسي والتربوي العام الذي تكتمل به الغاية الكبرى للنظام العبادي المتكامل الذي اعتمده الإسلام للصناعة الإلهية للإنسان بحيث لا يُستغنى عن أيّ عبادةٍ من هذه العبادات في هذا النظام المتكامل.
وفي الظروف الاستثنائية التي قد تؤثر على حجم العبادة وأجوائها وشرائط كمالها؛ تقع الخسارة وقد لا يمكن أن يُستعاض عنها، ولكن يُطلب التدارك بما يمكن، ما انفتح إلى ذلك من سبيل، ولذلك يجب أن تبقى قلوب الأمة منشدّةً في هذا الموسم للحج كلّ الانشداد، متأدبةً في أيامه في كلّ شبرٍ من الأرض وُجد الإنسان المسلم بآدابه، غير مفارقةً لذكر الله، متمحورةً كلَّ التمحور حول توحيده، متبرأةً كلّ التبرؤ، متطهرةً كلَّ التطهُّر من محور الشرك والطاغوتية والفرعونية والاستكبار، جادّةً كلَّ الجدِّ في مناصرة العدل، ومحاربة الظلم، مستشعرةً مسؤوليتها الكبرى في حماية الدين والمؤمنين، وإحياء الحقّ وإماتة الباطل، وتثبيت الحاكمية لله في أوضاع النفس وأوضاع الخارج، في كلّ إطارٍ من أُطر النفس، وفي كلّ إطارٍ من أُطر الخارج، والقضاء على حاكمية الشيطان.
تكون المحاولة -ونحن في أيّ مكانٍ وأيّ ظرفٍ، كما ونحن في الحرم ومكة وقُرْب الكعبة وفي عرفة والمشعر الحرام- أنْ يكون قيامنا وقعودنا وحركتنا وسكوننا، كلّ ذلك عن روحٍ عبادية، وتوجُّهٍ عبادي، وانقطاعٍ لله، وولاءٍ له، وبراءةٍ من أعدائه، بقلوبٍ شغلها الشاغل رضاه، وفي ذكرٍ من ذكره العظيم.
علينا أن نبقى -ونحن في أيّ مكان- حُجّاجًا بقلوبنا، حجَّ الموحدّين الحقيقيين، العاملين بما يريد الله عزَّ وجلّ، لا بما يريد أحدٌ من خلقه، وإذا لم توحدنا مناسك الحجّ الموحدّة، التي تُوَحِّد الحجّاج، لَتُعطي صورةً لِتَوَحُّد الفكر والقلوب على تقوى الله، والإئتمار بأمره والانتهاء بنهيه، والانتظام تحت راية دينه.
فلنُجاهد قلوبنا على التوحيد في سبيله باطنًا وظاهرًا في كلّ ما نستطيع، ونُحارب في أنفسنا كلّ ما فيه عدولٌ بهذه النفوس إلى الافتراق عن الحقّ.
إنَّ الحجّ يأتي كلّ عامٍ في مدرسته الكبرى وعطاءاته العظيمة، لِيَدفَع بالأمّة الإسلامية عامّةً -مَن حَضَرَ ومَن لم يحضر- على طريق التوحيد بقوّة، ويزيد من قدرتها الإيمانية بدينها وثقتها لقيمتها العليا؛ حتّى لا تُصاب بوهنٍ في مواجهة قوى الكفر والطغيان والهيمنة الاستكبارية الظالمة في الأرض، وتكون لها الغلبة على أذناب الشيطان من مستكبري العالم، كبارهم وصغارهم، ومن خارج العالم الإسلامي وداخله، ولإخراس قوى الكفر والشرك والنفاق.
والحجُّ في هذا العام الخانق بظروفه، وفي أيّ عامٍ؛ لا تَخَلِّيَّ له عن شيءٍ من وظائفه، ولا تسقط مسؤولية المسلم عن أداء وظائف الإسلام في أيّ ظرفٍ من الظروف ما أمكن، والسعي حثيثًا وراء تحقيق أهدافه.
كلُّ القضايا الحسّاسة المؤثِّرة على سلامة الإسلام، ومصلحة المسلمين، والصراع حولها، يُحتِّم علينا الإسلام والحجُّ وكلّ فريضةٍ من فرائض الله عزَّ وجلّ؛ ألاَّ تغيب عنَّا لحظةً من اللحظات، أو أنْ تكون من الأمور الثانوية في حياتنا.
علينا أن نشعر شعورًا قويًّا دائمًا غير مفارق بأنَّ معركتنا المصيريّة؛ هي المعركة بين التوحيد والشرك في الأرض، بين العدل والظلم، وبين الحقِّ والباطل، وأنّنا الجبهة التي عليها ألاّ تطلب الراحة ولو قليلاً قبل تحقيق النصر، لِمَا أمر الله أن يُنتصَر له ويهزم الباطل الذي أوجب أن يُهزم.
إنّ المعركة القائمة اليوم بين قوى المقاومة والاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، والمحور المُتشكِّل لمساندته في عدوانه واستهدافه لأمّتنا، لَيُمَثِّل امتحانًا صعبًا للأمّة، وتحدّيًا هائلاً لا يُواجَه إلا بالنفير العام واجتماع كلِّ الامكانات، حتّى تنكسر إرادة العدوان ويرتدَّ خاسرًا مدحورًا.
وإذا جئنا إلى خطاب سماحة السيد علي الخامنئي، ولي أمر المسلمين “حفظه الله”، بمناسبة حلول موسم الحجّ لعام ألف وأربعمئة واثنين وأربعين هجرية، وجدناه خطاب الإيمان الصُلب بالإسلام، والتمسُّك الشديد بحبله المتين، وبصيرة الدين والدنيا، ووعي واقع الانقسام الذي تعيشه الأمة من ضعف الاستسلام الذي وقع فيه بعضٌ من أنظمتها الرسمية، ومن قوّة المقاومة المستبسلة في سبيل الله، الذي تتصفُ به قوى المعارضة المتنامية في مختلف أبعادها الإيجابية بما يُعطي اطمئنانًا بنصر الأمة القريب إن شاء الله. إنّها المعارضة للباطل، المقاوِمة للظلم، التي إذا تحرّكت لا تتوقّف إلا مع الانتصار.
خطابه “حفظه الله” خطاب الواجب الثقيل، والمسؤولية الضخمة التي تتحمّلها الأمّة للقيام بالتكليف الإلهي تجاه دينها العظيم ورسالتها الإسلامية المقدّسة، وخطاب المستقبل المشرق الذي ينتظر هذه الأمة إذا ما استقامت على طريق الدفاع المقدّس والمقاومة الإسلامية الجادّة في سبيل الله.
نَعَمْ هو خطابٌ لاهب، وفي نفس الوقت واعٍ وبصير. هو خطابٌ مؤكدٌ على المقاومة، مُقدِّسٌ لها، مُستلهمٌ من الإسلام رَبْطَ الإسلام الأكيد بين توحيد الله عزَّ وجلّ في عبادته وجهاده من جهة، وبين تطهير الأرض من كلّ رجسٍ وظلم، وعدوانيةٍ وطاغوتيةٍ واستكبار.
وإنّ هذا الخطاب ومثله في ظلّ وعي المقاومة، لَيَجِدُ ملايين القلوب التي تتفاعل معه وتذوب فيه، وليس هو الخطاب الذي يمثّل صرخةً في واد.
خطابُ الحقّ اليوم، خطابُ العودة للإسلام، خطابُ التحرّك من أجل الانتصار؛ خطابٌ يجتذب ملايين من الأمّة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.