قال سيد الموحّدين الإمام عليّ بن أبي طالب «عليه السلام»: «لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبها أحد قبلي، الإسلام هو التّسليم» (نهج البلاغة، ص 491).
يُعرِّف إمام الأمّة آية الله العظمى الإمام روح الله الموسوي الخمينيّ «قدّه» التسليم على «أنّه عبارة عن الانقياد الباطنيّ والاعتقاد القلبيّ في مقابل الحقّ، وهو ثمرة سلامة النّفس من العيوب، وخلوّها من الملكات الخبيثة»، ويؤكّد أنّ العبد يصل إلى مقام التسليم «إذا كان المقصود انعدام إرادة العبد في مقابل إرادة الحقّ تعالى».
ولأنّ الأشياء تُعرف بأضدادها، فيمكن تبيان معنى «التسليم» من خلال معرفة معنى «الشكّ» وعدم القبول، وعدم الخضوع، وعدم الانقياد، فإنْ كان العبد مؤمنًا كان قبوله الحق أمرًا حتميًّا، وصار خضوعه له مبرّرًا، وانقياده له نتيجة طبيعيّة.
أمّا إذا كان العبد عاصيًا فشكّه في الحقّ يكون مسارًا تلقائيًّا في حياته، وعدم الانصياع للحقّ منهجه، وبالتالي فإنّ التسليم لا يمثّل مسلك حياة، وإنّما يخضع للنزوات النفسيّة الهابطة، حتى تصبح لديه ملكات شيطانيّة.
ويحدّد لنا الإمام الراحل الخمينيّ «قدّه» آثارًا عظيمة لمنطق التسليم، حيث يؤكّد أنّ التسليم يبلغ بسالكه مقام الولاية وهو «المقام الذي يستبدل فيه العبد إرادة نفسه بإرادة ربّه، فيصبح مظهرًا لأولئك الذين قيل فيهم أنّ لله عبادًا إذا أردوا أراد»، كما يؤهّله لأن يتّصف بنورانيّة القلب والوصول إلى الكمال الإنسانيّ؛ فيبلغ بذلك حلاوة الإيمان ويعالج به أمراض الروح.
ولكن لنا أن نتساءل: كيف نصل إلى مقام التسليم؟
يركّز الإمام الخمينيّ «قدّه» على أنّ ثمّة عدّة أمور يمكن أن توصل العبد إلى مقام التسليم وهي: المحافظة على الفطرة السليمة، وأداء العبادات المختلفة بحضور القلب، واتّباع الوليّ الكامل، والانتقال لمرحلة الإيمان بعد العلم، فلا يكفي العلم دون الإيمان.
ومن هذا المبدأ الإسلامّي الكبير يجب التشديد على ضرورة تبنّي التسليم للقيادات الربانيّة الممتدّة في طول خطّ الإمامة الكاملة، والتي تتمثّل في عصر الغيبة الكبرى بخطّ ولاية الفقيه ونيابة الإمام الحجّة «عج» بالحقّ، والتسليم لما يصدر عمّن هو في منصب الوليّ الفقيه من دون تردّد أو شكّ، بل المسارعة في هذا المضمار كي لا يسبقنا فيه أحد، وهو الطريق الذي سلكه جنود الإسلام العزيز في محور المقاومة بشكل عامّ، وهو الذي قادهم للانتصارات تلو الانتصارات.