أكثر من يومين احتاجت ما تسمّى الأمانة العامة للتظلّمات لصياغة سيناريو حول استشهاد الشهيد «عباس مال الله» نتيجة الإهمال الطبيّ، خلاصته ببضع كلمات: «مال الله» كان يتلقّى الرعاية الطبيّة ولم يطلب أيّ مساعدة طبيّة قبل «وفاته».
نعم إنّ حبكة السيناريو من المنظّمة «الشفافة» احتاجت إلى أكثر من 48 ساعة لتكون محكمة وشاملة التفاصيل بحذافيرها، فـ«الأمانة العامّة للتظلّمات» زعمت أنّ ما أُثير على مواقع التواصل الاجتماعيّ بعد استشهاد المعتقل «عباس مال الله» يفتقد لأبسط قواعد الموضوعيّة والمصداقيّة في الطّرح، ولم يراعِ ظرف الحزن والألم المعنويّ لذويه ومحبّيه، مبدية استغرابها من حملة المعلومات «المغلوطة» التي صاحبت «الوفاة»، وما تضمّنته من ادّعاءات بعيدة كلّ البعد عن الحقائق الواقعيّة التي يمكن التثبّت منها بسهولة، حيث إنّها «الجهة الوحيدة» التي تتعامل بـ«كلّ شفافيّة» مع حالات الوفاة التي تحدث داخل السّجون، وتنشر التحقيقات في هذه الحالات بشكلٍ مستمرّ في تقاريرها السنويّة الدوليّة- على حدّ زعمها.
وقد توصّلت- بعد مراجعة سجلّاتها- إلى أنّ الشهيد سبق له التعامل معها «11 مرّة»، من خلال طلبات المساعدة التي قدّمها هو شخصيًّا وعائلته بالنيابة عنه، وأكّدت أنّه لم يسبق أن تقدّم بأيّ شكوى «من بين هذه الـ11 شكوى» بشأن معاناته من أمراضٍ في القلب أو أمراضٍ مزمنة أخرى تستدعي علاجًا مستدامًا- على حدّ تعبيرها، مؤكّدة أنّه كان يتلقّى الرعاية الصحيّة المعتادة في عيادة المركز، وأنّ آخر مراجعة له كانت بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، لشكواه من ألمٍ في الأذن، وقد تلقّى العلاج اللازم، في حين أنّه قبل الوفاة بساعات لم يكن يعاني من أيّ مشاكل صحيّة، ولم يطلب أيّ مساعدة طبيّة- وفق ما جاء في بيانها المحكم.
وتطرّق «الأمانة العامة للتظلّمات» كذلك إلى حادثة استشهاد الشهيد بـ«الدقائق والثواني» حيث زعمت أنّه سقط داخل الغرفة نحو الساعة «12:05 صباحًا»، وحضر «الشرطي» بعد «دقيقة واحدة»، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة والمتّبعة في مثل هذه الحالات، حضر المُسعف بمركبة من عيادة السّجن نحو الساعة «12:22 صباحًا»، وقد كان المعتقل فاقدًا للوعي لكنّه كان لا يزال على قيد الحياة، وتمّ نقله إلى مستشفى السلمانيّة عند الساعة «12:44 صباحًا»- على حدّ زعمها، والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: «ما الذي حصل بين الساعة 12:06 والساعة 12:22؟».
وحيث إنّ ذلك «سقط سهوًا» من السيناريو كان لا بدّ من الرجوع إلى الشهود الموجودين مع الشهيد في ذلك الوقت، فـ16 دقيقة أكثر من كافية ليفارق إنسان يعاني من أزمة صحيّة الحياة، ولا سيّما مع مماطلة المرتزق المناوب في تأمين الإسعافات اللازمة، وانشغاله بتهديد المعتقلين الذين يصرخون استغاثة لمساعدة زميلهم ويطرقون الأبواب لإنقاذه.