تتواصل احتجاجات المعتقلين السياسيّين في السجون الخليفيّة بسبب الانتهاكات المتزايدة، ولا سيّما مع انتشار فيروس كورونا بينهم، واعتماد سياسة التجويع، وصولًا إلى استشهاد الشهيد المجاهد «عباس مال الله» نتيجة الإهمال الطبّي المتعمّد.
ففي هذا السياق بدأ معتقلو الرأي صغار السنّ في سجن الحوض الجاف «مبنى 17» إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ يوم الأربعاء 7 أبريل/ نيسان 2021، حيث أفاد ناشطون بأنّ عدد المضربين تجاوز المئة، وذلك للمطالبة بتنظيف خزّانات ماء الاستحمام التي تسبّب لهم بأمراض جلديّة، منها الجرب والطفح الجلديّ والحساسيّة، ودمج الغرف وقت إحياء الشعائر الدينيّة، إضافة إلى وضع لجنة لمراقبة المبيعات في دكّان السّجن، وتنويع المواد الاستهلاكيّة، ووقف بيع المنتجات المنتهية الصلاحيّة لتعرّضهم لحالات تسمّم.
وذكرت تقارير العديد من المنظّمات الحقوقيّة أنّ المعتقلين يشتكون من انتشار أمراض جلديّة في السّجون وأبرزها الحساسيّة والجّرب، بسبب عدم توفير أدوات النظافة، ومعاناتهم من ظروف السجن السيّئة، إضافة إلى حرمانهم من العلاج، ومصادرة ملابسهم وأدواتهم الصحيّة، وتقديم الأطعمة الفاسدة، وقطع مياه الحمّامات بشكل متكرّر.
وكان لعدد من معتقلي الرأي في سجن جوّ مطالبات بضرورة علاجهم من أمراض يعانون منها بسبب التعذيب والإهمال الطبي ومن بينهم: «علي حسين بركات وحسين حبيب العرادي ومحمد مهدي سرور» وغيرهم ممن ينقلون معاناتهم عبر اتصالاتهم وتسجيلاتهم الصوتيّة.
كما أكّدت مصادر أهليّة تدهور صحّة المعتقل «محمد عبد الحسن الدعسكي» ودخوله في غيبوبة بعدما منعت عناصر المرتزقة في سجن جوّ المركزيّ علاجه لمدّة أسبوع، حيث وضع على أجهزة التنفّس الصناعيّ في قسم العناية المركّزة بمستشفى السلمانيّة، بعد عجز الأطبّاء عن خفض درجة حرارته، والناجمة عن «فيروس بالكبد»، علمًا أنّ المعتقل لم يكن يعاني من أيّ مرضٍ وقت اعتقاله، وأنّه ضحيّة الإهمال الطبيّ والحرمان المتعمّد من العلاج وسوء الرعاية الصحيّة داخل سجن جوّ المركزيّ.
هذا وأعربت والدة معتقل الرأي «حسين السهلاوي» عن قلقها عليه بعد المعلومات الواردة من سجن جوّ عن ظهور أعراض مرض السّرطان عليه، وتمنّع إدارة السجن عن تنفيذ توصيات الطبيب، حيث ظهرت لديه كتلة لحميّة في عيونه وأخرى في لسانه، وقد طلب الطبيب له عمليّة، غير أنّ إدارة السجن لم تلتزم بذلك.
وطالبت عوائل المعتقلين مرضى السكلر بضرورة الإفراج عنهم، وذلك أنّ وباء كورونا يسبّب آثارًا خطرة على المصابين العاديّين به، وهو بالتأكيد أشدّ وطأة على مرضى السكلر الذين يكابدون الآلام الشديدة التي تصاحبها نوبات خطرة.
وقد تطرّقت التقارير الحقوقيّة إلى الانتهاكات الجسيمة التي يمارسها النظامم الخليفيّ بشكل عام وبحقّ المعتقلين بشكل خاص حيث أكّدت منظّمة العفو الدوليّة أنّ البحرين من الدّول التي استخدمت وباء «كورونا» كذريعة لمواصلة قمع الحقّ في حريّة التعبير وذلك في تقريرها السنويّ الصادر يوم الأربعاء 7 أبريل/ نيسان 2021، الذي ذكرت فيه أنّ الوباء العالميّ قد فضح الإرث المروّع للسياسات الخلافيّة والمدمّرة المتعمّدة التي أدامت عدم المساواة والتمييز المجحف والقمع، ومهّدت الطريق للخراب الذي أحدثه وباء فيروس كوفيد-19 المستجد في العالم وداخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث إنّ 149 دولة بينها البحرين استغلّت أزمة الوباء استغلالًا لا يرحم لمواصلة هجماتها على حقوق الإنسان، وفق تعبيرها.
وسلّطت منظّمة هيومن رايتس فيرست الضوء على تفشّي فيروس كورونا داخل سجون النظام التي أدّت إلى تصاعد الاحتجاجات والاعتصامات من جديد في البلاد، حيث قالت المنظّمة في مقالٍ تحت عنوان «اندلاع فيروس كورونا في السّجون يثير احتجاجات جديدة في البحرين»، بقلم الحقوقيّ «بريان دولي»، إنّه بعد سنوات من الهدوء النسبيّ، بدأت الاحتجاجات من جديد في البحرين، تضامنًا مع المعتقلين السياسيّين القابعين في سجن جوّ المركزيّ، بعد انتشار جائحة كورونا في السّجن المكتظّ بالسّجناء، وأنّ النظام صعّد ممارسات التعذيب الجسديّ والنفسيّ بشكلٍ ممنهج، والمعاملة السيّئة للسّجناء، والتي كانت أحد الأسباب في اندلاع الاحتجاجات في سجن جوّ المركزيّ عام 2015.
وطالبت منظّمة أمريكيون من أجل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، بدورها، النظام الخليفيّ بفتح تحقيقٍ لكشف الأسباب الكامنة وراء استشهاد المعتقل «عباس مال الله»، وبالإفراج عن السّجناء السياسيّين، ولا سيّما كبار السنّ منهم.
وأشارت المنظّمة في بيان لها، إلى أنّ الظّروف المحيطة باستشهاد «مال الله» والمماطلة الشديدة التي تعرّض لها تثير حالة قلق واستنكار كبيرين حول أوضاع السّجناء السياسيين المصابين بفيروس كورونا، في ظلّ تفشّيه داخل أبنية السّجن، مؤكّدة أنّ ذلك يستدعي الوقوف إلى جانب المطالبات التي يطلقها أهالي السّجناء القلقين من الإهمال الصحيّ، جرّاء عدم توفّر أدنى مقوّمات الوقاية والعلاج لأبنائهم- على حدّ تعبيرها.
كما دعا المجلس الدوليّ لدعم المحاكمة العادلة المجتمع الدوليّ والهيئات المعنيّة في الأمم المتّحدة إلى التحقيق بشفافيّة بما يجري من انتهاكات جسيمة داخل سجون النظام، والتحقيق أيضًا بمصداقيّة ما يدّعيه في المحافل الدوليّة، مشيرًا إلى أنّه في الوقت الذي يسعى فيه العالم بأكمله للتعافي من وباء كورونا، يستغلّ النظام هذه الجائحة للتخلّص من معتقلي الرأي في السّجون بطريقة تخالف الإنسانيّة، واصفًا الإهمال الطبيّ المتعمّد في هذه الظروف الصحيّة الصعبة التي يعاني منها السّجناء بالجريمة الإنسانيّة- بحسب قوله.