تتميّز أرض البحرين بقوّة التزام المجتمع نسبة إلى عدد السكّان، وهو ما يظهر جليًّا في الشعائر الإلهيّة التي يقيمها طوال العام، سواء للطائفة الكريمة الشيعيّة أم الطائفة الكريمة السنيّة، فتجد المواكب الحسينيّة التي تملأ شوارع المدن والقرى، والعاصمة بشكل خاصّ، وترى المواسم العباديّة في أشهر بأكملها، مثل: شهر رمضان، شعبان، رجب، محرم، صفر وغيرها.
وتجد أسبوع الوحدة الإسلاميّة -الذي هو أحد عناوينها- والذي يُقام في الأسبوع الثاني من شهر ربيع الأوّل، وغيرها من الممارسات الدينيّة المعتبرة لدى المجتمع البحرانيّ. ومن خلال الطلَّة التاريخيّة -على مدى قرون متعاقبة- نجد أنّ هذه الممارسات والشعائر سبب أساسيّ للاستقرار الاجتماعيّ والتآلف بين مختلف الانتماءات الدينيّة، فترى السنّيّ يشارك في شعائر الشيعيّ والشيعيّ يزور أخاه السنّي، والأقليّات الدينيّة كالمسيحيّين يشاركون في محافل المنتمين إلى الديانة الإسلاميّة، وغيرها من الأمثلة الكثيرة.
وعلى المستوى الفقهيّ والمسائل الشرعيّة، فإنّ الاحترام المتبادل يبلغ ذروته في هذه الجنبة، والتقدير يصل أوجّه، وخصوصًا في الجانب القضائيّ والاستهلال والزواج وغيرها، والفصل الحاصل في هذه الأمور إنّما ناشئ من الاختلاف في اعتماد الأدلّة الروائيّة والاستنباطات الفقهيّة لكلّ مذهب، وهو مثال على التعايش المذهبيّ في البحرين.
إذن أين تكمن المشكلة؟
هناك قبيلة محتلّة لأرض البحرين، غزتها عام 1783م بتواطئ خبيث مع البريطانيّين، هذه القبيلة لا تدين بمذهب معيّن، وإنّما انتحلت الإسلام لتغطّي على دخولها العنيف للبحرين، وهي تُقدّم الحفاظ على كرسي الحكم على كلّ الثوابت والاعتبارات الدينيّة التي يقدّسها شعب البحرين الأصيل، وصارت تعيث فسادًا وخرابًا في البلاد والعباد، بيد أنّها لا تجرؤ على المساس بالشعائر الدينيّة لأنّها منطقة حمراء لو تجاوزتها بفجاجة لانقلبت الدنيا على رأسها.
نرى قبل انطلاق ثورة ١٤ فبراير المجيدة محاولات لقبيلة آل خليفة للتدخّل بشكل أو بآخر في الخصوصيّات المذهبيّة، منها محاولة تشريع قانون الأحوال الشخصيّة، واستحداث كادر أئمّة المساجد والمؤذّنين، إلى أن وصلنا إلى مرحلة ما بعد الهبّة الشعبيّة في ٢٠١١م، وبدأ آل خليفة بانتهاك الشعائر المذهبيّة بشكل سافر، ومأذون به من المؤسّسة التشريعيّة الصوريّة (البرلمان)، وصاروا يهدمون المساجد ويخرّبون الحسينيّات، ويمنعون الشعائر الحسينيّة، وأقرّوا قانون الأحوال الشخصيّة، وقنّنوا المضايف العاشورائيّة، … والقائمة تطول.
وبدخول جائحة كورونا البلاد، بدأ النَّفَس الطائفيّ يبرز بقوّة، فمن موضوع العالقين خارج البحرين انتهاءً بمنع التجمّعات الدينيّة في المآتم والحسينيّات. حيث تم السّماح بعودة العالقين البحارنة من كافة البلدان وبإجراءات مخففة جدًا، إلا العالقين في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وهي جريمة خسيسة لو عُمل على توثيقها في كتاب لتجاوز الألف صفحة.
وضمن الإجراءات الاحترازيّة المزعومة أغلقت سلطات القبيلة الخليفيّة دور العبادة (مساجد وحسينيّات) لكي لا ينتشر المرض بين أبناء المجتمع، في حين أنّ النوادي الصحيّة والمجمّعات التجاريّة وأماكن العمل والوزارات والبنوك والأسواق، وكلّ أماكن الاختلاط والتّقارب الاجتماعيّ مفتوحة وبلا قيود حقيقيّة، إذن لماذا دُور العبادة تبقى مغلقة ومشدَّدٌ عليها؟
من هنا يتبيّن للقارئ الكريم والمتابع للحالة السياسيّة في البحرين أنّ من يدير حكم قبيلة آل خليفة يستعدي أساس الاستقرار في البلاد، وهو من يخلق حالة اللادين في الوسط المجتمعيّ (مع اجتماع بعض الممارسات التي لا يسع المقام لطرحها)، وهو من يهاجم الحسّ الدينيّ للأغلبيّة السّاحقة للشّعب البحرانيّ، وهو ما أطلق عليه مراقبون (الإبادة الدينيّة/الثقافيّة) والتي بدأ تشكيل نواتها منذ احتلال القبيلة المشؤومة للبحرين، وبلغت ذروتها في تقرير البندر منتصف العقد الأول من القرن ٢١ ميلاديّ، حيث يُعدّ التّجنيس السياسيّ، وتغييب الشخصيّات والمؤسّسات الفاعلة، ومحاربة الشّعائر الدينيّة أبرز أركان هذه الجريمة.
إنّ شعب البحرين بقياداته ورموزه مدعوون إلى إعادة فرض معادلة التّوازن، وتغليب مصلحة النّاس في إبقاء الإرث الدينيّ قائمًا لا يُمَسّ، وتشديد خطورة تعدّي المنطقة الحمراء، والتي تعتبر أساسًا للاستقرار والتّعايش بين الطوائف الدينيّة، والحافز الأقوى لاستمرار الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، ووضع حدٍّ للممارسات الطائشة لقبيلة آل خليفة وقطع يدها التي تمتدّ بين الحين والآخر على الثوابت.