بسمِ اللهِ الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ قاصِم الجَبارين، مُبِيِر الظالمِيِن، مُدرِكِ الهاربِيِن، نكالِ الظالِميِن، صَرِيِخ المُسْتَصْرِخِين، مَوْضِعِ حاجاتِ الطالِبِين، مُعْتَمَدِ المؤمِنين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِ بيتِهِ الطيّبينَ الطاهرينَ وأصحابِه المنتجبين.
نحتفي في هذا اليومِ بمرورِ عشرةِ أعوامٍ من الصمودِ على ما بدأناهُ مع شعبِنا البطلِ المقاومِ في الرابعِ عشرَ من فبراير عام 2011، شعبِ البحرين الذي ثبتَ في ساحاتِ العزّةِ والكرامةِ تمسّكًا بأهدافِهِ ومبادئِهِ، والذي سطّرَ أروعَ البطولاتِ في الميادينِ والمعتقلاتِ، والذي صبرَ على مُرِّ الأيّامِ وقسوتِها وهو يواجهُ الظلمَ الخليفيَّ وإجرامَهِ بكلِّ سلميّةٍ وشجاعةٍ منقطعةِ النظير، مقدّمًا الشهداءَ والمعتقلينِ والجرحى والمطاردينَ والمهجّرينَ، فعاهدَهُم على عدمِ التراجعِ حتى نيلِ حقوقِهِ المشروعةِ وفي مقدّمتِها حقُّ تقريرِ المصير.
وإذْ نُحيي الذكرى العاشرةَ للثورةِ المجيدةِ، نوجّهُ تحايانا أوّلًا لقائِدِنا المفدّى سماحةِ آيةِ اللهِ المجاهدِ الشيخِ عيسى أحمد قاسم «دام عزُّهُ»، وللرموزِ القادةِ المغيّبينَ في السجونِ ظلمًا وعدوانًا وللجرحى والمطاردينَ والمغتربينَ، ولسائرِ أبناءِ شعبِنا المرابطِ في البحرين، ونقفُ لهم إجلالًا وإكبارًا على ما قدّموهُ وما زالوا يقدّمونَه مساندةً للثورةِ من أجلِ نيلِ حقوقِنا المشروعةِ في الحُريّةِ والعزّةِ والكرامةِ.
يا شعبَنا الثابتَ والمقاومَ..
مرّ عقدٌ من الثّباتِ والمقاومةِ في مواجهةِ نظامٍ دكتاتوريٍّ فاسدٍ، لم يتورّعْ عن ارتكابِ أبشعِ الجرائمِ ضدَّ شعبِنا الأعزلِ المُسلمِ المسالمِ، فلا يمرُّ عامٌ من دونِ أن يُكلَّلَ بسفكِ دماءِ أبنائِنا الطاهرةِ ظلمًا وعدوانًا، منذ أباحَ قتلَ شبابِنا وسطَ «ميدان اللؤلؤ» في العام 2011 ليسمّى بعدها «ميدانَ الشهداء»، وتنطلقَ مسيرةُ الشهداءِ عامًا تلو عام، وما دماءُ «شهداءِ الوطنِ والحريّةِ» ببعيدةٍ عنّا، والتي كشفتْ حقدَ هذا النظامِ المجرمِ وعداءَهُ للشعبِ الأصيلِ، ولا تزالُ أيضًا دماءُ الشهيدَيْنِ المظلومَيْنِ «علي العرب وأحمد الملالي» تغلي كالبراكينِ في قلوبِ المُخلصينَ من أحرارِ شعبِنا، وكلُّ دماءِ شهدائِنا الأبرارِ الذين ساروا على هذا النّهجِ قضَوْا نحبَهم في مقارعةِ إجرامِ هذا النظامِ وفسادِهِ، ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا.
عقدٌ من المقاومةِ والصمودِ أعجزَ الديكتاتورَ حمدَ بنَ عيسى، وهزمَ جنودَهُ الخائبينَ كفرعونَ وجنودِهِ، رغمَ استقوائِهِ بعناصرِ الاحتلالِ الإماراتيّةِ والسعوديّةِ الخائبةِ في الأساس، والتي تتلقّى الهزيمةَ تلو الأخرى على يدِ المجاهدينَ الأبطالِ في اليمنِ الشقيق. وها هو بعد عجزِهِ وفقدانِهِ أيَّ شرعيّةٍ شعبيّةٍ، يرتمي في أحضانِ الصهاينةِ أعداءِ الأمّةِ الإسلاميّةِ والعربيّةِ، بأمرٍ من سيّدِهِ الأمريكيِّ «ترامب» الذي سقطَ سريعًا في الانتخاباتِ الأمريكيّةِ ذليلاً صاغرًا، ظنًّا منه أنّهم سيكونونَ الداعمَ له ولعرشِهِ المتهاوي، فهو يعلمُ أنّه يواجهُ شعبًا لا يعرفُ التراجعَ ولم يعرفْه طيلةَ العقودِ الماضيةِ ولن يعرفَه مهما طالتِ السنين، بل هو شعبٌ متمسّكٌ بقضيّةِ فلسطينِ المركزيّةِ، ولا يتنازلُ عنها وقدّمَ على طريقِها الشهداء، وسيخيّبُ آمالَ النظامِ الذي حاولَ الاستقواءَ بحليفِهِ الصهيونيّ.
وهنا؛.. لا بُدَّ من أنْ نؤكّدَ بعد عقدٍ من الثباتِ والعزّةِ والكرامةِ أنّنا في منطقة حتّمتْ علينا أن نكونَ في خندقِ الحقِّ والجهادِ والمقاومةِ؛ ففي فلسطينَ نقفُ معَ القضيّةِ المركزيّةِ دون أدنى تراجع، وفي اليمنِ مع شعبِهِ البطلِ والمقاومِ في مواجهةِ العدوانِ السّعوديِّ- الإماراتيِّ المدعومِ أمريكيًّا وبريطانيًّا، وفي الحجازِ مع شعبِها المعطاءِ المناهضِ للحكمِ الديكتاتوريِّ المستبدِّ، وعلى امتدادِ المنطقةِ نقفُ مع محورِ المقاومةِ في مواجهةِ الغدّةِ السرطانيّةِ الصهيونيّةِ وكلِّ مشاريعِها الهدّامة، ومواجهةِ قوى الاستكبارِ العالميِّ وكلِّ أطماعِها وأهدافِها التدميريّةِ لأمّتِنا الإسلاميّةِ والعربيّةِ.
يا شعبَنا الثابتَ والثائرَ..
مضى هذا العقدُ من الثباتِ على أهدافِ ثورتِنا المجيدة، وأبرزُها حقُّ تقريرِ المصيرِ كما نصّتْ عليه المواثيقُ الأمميّةُ وأقرّته في قوانينِها وعهودِها؛ فمن حقِّ شعبِنا أن يكونَ مصدرًا حقيقيًّا وفعليًّا للسلطاتِ جميعًا، وأن يمنحَهَا الشرعيّةَ وفقَ دستورٍ جديدٍ يكتبُهُ بيدِهِ ويُحدّدُ فيه نوعَ نظامِهِ السّياسيِّ الذي يرتضيه؛ لذا فإنّنا نؤكّدُ أنّ حقَّنا ثابتٌ في وطنٍ تسودُهُ العدالةُ الاجتماعيّةُ بين كلّ فئاتِ الشّعبِ، وطنٌ يحترمُ الإنسانَ وحقوقَهُ، وليس وطنًا يسعى من يحكمُهُ بالقوّةِ والاحتلالِ حاليًّا إلى تدميرِ مستقبلِهِ عبر السرقاتِ والفسادِ وتغييرِ التركيبيّةِ السكانيّةِ والاستئثارِ بالثروةِ لصالحِ عائلةٍ واحدةٍ هي عائلةٌ آلِ خليفة، وتدميرِ المستقبلِ المشرقِ للأجيالِ الشّابة عبر حرمانها حقًّها في بعثاتٍ دراسيّةٍ على خلفيّةِ معاييرِ التمييزِ والاضطهادِ الطائفيِّ البغيضِ، أو أن يسلُبَ المواطنَ الأصيلَ حقَّهُ في وظيفةٍ تصونُ كرامتَهُ، وينهبُ أموالَ المواطنِ الكادحِ بعد تقاعدِهِ ليُصبحَ تحت وطأةِ الإذلالِ والفاقة، ولنا الحقُّ في وطنٍ تتحققُ فيه التنميةُ المستدامةُ، وينالُ فيه أبناؤُهُ الرّعايةَ الصحيّةَ الكاملةَ؛ وتكونُ لهُمُ الأولويّةُ في التوظيفِ، وينعمونَ بالحياةِ الكريمة، والمنزلِ الآمنِ الحامي لهم ولأُسرِهم، لا أن يكون وطنًا يُحكِمُ نظامُهُ قبضتَهُ على أرزاقِ المواطنين في البرِّ والبحرِ، ويُفضّلُ الأجانبَ والمجنّسينَ على المواطنينَ الأصلاءِ من الشيعةِ والسنّةِ، ويمنحُهُمُ الوظائفَ والامتيازاتَ والبيوتَ الإسكانيّةَ، فيما ينتظرُ المواطنُ أكثرَ من ٢٠ سنة لينالَ حقَّهُ في وحدةٍ سكنيّةٍ.
يا أبناءَ شعبِ الثباتِ والنّصرِ
لقد انتصرْتُم بثباتِكُمْ طيلةَ هذا العقدِ من الثورةِ، ولم تمنحوا النظامَ الخليفيَّ الشرعيّةَ؛ وواصلْتُمْ حضورَكُم في الميادينِ والساحاتِ رغم قساوةِ القمعِ والتنكيلِ والاعتقالاتِ الواسعةِ والمتواصلةِ، والتي لن تمنعَنَا من أن نكونَ على استعدادٍ لإحياءِ ذكرى ثورتِنا المجيدةِ في كلّ عامٍ بما يليقُ بحجمِ التضحياتِ الجسيمةِ التي قدّمتموها طيلةَ العقودِ الماضية، وبما يدخِلُ الطمأنينةَ والصمودَ إلى قلوبِ الأسرى من تيجانِ الوطن، والرموزِ القادةِ المغيّبينَ في السجونِ، وبما يداوي الجرحى ويُسعدُ قلوبَ أمّهاتِ الشهداء، وبما يبعثُ الصّبرَ في نفوسِ المُطارَدين والمُهجّرينَ وكلِّ المُضحّين.
يا أبناءَ شعبِنَا المسلمِ المسالمِ
ها هو العهدُ والوعدُ يتجدّدانِ معكم بعد عقدٍ من المقاومةِ والثباتِ لكتابةِ تاريخِ انتصارٍ جديدٍ في صفحاتِ الشموخِ والعزّةِ في ميادينِ الكرامةِ في الذكرى العاشرةِ لثورتِنا المجيدة، فأنتم أسيادُها وأسودُ نزالِها وجمرةُ غضبِها الحارقةِ للمرتزقةِ الجبناء، وأنتم الأعلونَ في ساحاتِ الوغى بثباتِ الأقدامِ، والباقونَ على طريقِ النصر، والثابتونَ حتى تحقيقِ الأهدافِ الساميةِ، بإذنِ الله.
من هنا فإنّنا نُحيّي كلَّ الثائرينَ من أبناء شعبِنا الذين شاركوا في الفعاليّاتِ كافةً في المدنِ والبلداتِ البحرانيّةِ وفقَ البروتوكولاتِ الصحيّةِ المتعلقةِ بوباء كورونا، ونؤكّدُ أننا سنواصلُ المسيرةَ مهما كانت محفوفةً بالمخاطرِ والآلامِ، فلن نهابَ الإرهابَ الرسميَّ للكيانِ الخليفيِّ المجرمِ المُتعطّشِ لدماءِ الأبرياءِ، وانتهاكَهُ الحرماتِ وهدمَهُ بيوتَ اللهِ وحرقَ القرآنَ الكريمَ؛ ولن توقفَ مسيرةَ النصرَ المؤامراتُ البريطانيّةُ والصهيونيّةُ؛ فإنّهم يرونَه بعيدًا ونراه قريبًا، فمعًا نستمرُّ متوكلين على الله في كلِّ خطوةٍ نخطوها في ميادينِ الكرامة، ومعًا سنحتفي بالنصر المسدّدِ من الله وسطَ ميدانِ الشهداء في قلبِ العاصمةِ المنامة، وإن تنصروا اللهَ فلا غالبَ لكم، وما النصرُ إلّا من عندِ العزيزِ الجبّار.
ائتلاف شباب ثورة الرابع عشر من فبراير
14 فبراير/ شباط 2021
المنامة – البحرين المحتلة