قال سماحة الفقيه القائد آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في كلمته بالاجتماع الافتراضي الذي عقده المجلس الأعلى للصحوة الإسلامية يوم الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 إنّ أشدّ ما يقصم ظهر التطبيع ومقاصده القاتلة أن تكون ردّة الفعل عند المجتمعات عودةً بالغة الجدّ كلّ الجدّ شديدة العزم والإصرار للإسلام العظيم الحبيب، عودة لفكره، ومنهجه العام، وأخلاقه، وروح المقاومة، والإرادة الحرّة الكريمة.
وشدّد سماحته على أنّه لا يصحُّ أبدًا أن تقتصر المقاطعة على الجانب المادي فإنّها تنهار سريعًا في ظلّ أي نجاحٍ لغزو فكريٍ ونفسي يأتي من العدو الصهيوني، ويحقّق هدمًا للفواصل الفكرية والنفسية عند الإنسان المسلم والعربي تقوم بينه وبين العدو الإسرائيلي، لافتًا إلى أنه حينما تنبني في نفس الإنسان المسلم ثقةٌ فيما عليه العدو من فكرٍ ونيّات وسياسة وخُلُق وسلوك «فسنكون حينئذٍ جزءًا من إسرائيل ولن تكون إسرائيل جزءًا منّا».
ووصف سماحته التطبيع بأنّه تخندقٌ جديدٌ وخطر وانفصاليٌ عن الأمة على حسابها ودينها وأمنها وكلّ مصالحها. وهو انفكاكٌ من جهة وارتباطٌ بجهةٍ أخرى معادية، ولا يكون أحدهما إلاّ على حساب الآخر ونفيًا له، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ هذه العلاقة الاتصاليّة القويّة والجدّية والتي يفتخر بها المطبّعون من الأنظمة الرسميّة لبعض البلاد العربية مع العدو، لا تكون إلاّ بالانفصال عن خطّ الأمّة وهويّتها وهمومها وهدفها ورعاية مصالحها.
وهذا نصّ كلمة سماحته:
بسم الله الرحمن الرحيم
–التطبيع انفصال واتصال–
بين الأمة الإسلامية والكيان الصهيوني عداء بَيِّن موضوعه لازال قائماً وهو احتلال الأرض العربيّة والإسلامية الفلسطينية، والتقتيل والتشريد للأعداد الهائلة من أبنائها وبناتها. وكلُّ أسباب هذا العداء الراجعة إلى الموقف العدائي الدفين اليهودي والصهيوني للإسلام وأمّته لا زالت على أشدّها وفي تعمّقٍ وتوسُّع، الشيء الذي تتبرأ منه اليهودية الأصل الصادقة كما هي في التوراة غير المحرَّفة ولسان النبي موسى “عليه السلام”، وتتنزّه عنه أي ديانةٍ سماوية حقّ وفي صورتها الأصل.
وفي ظل هذا الوضع العدائي، لا يمكن لطرفٍ يدّعي إخلاصه للأمة ووفاءه لواجب الدّين أن يدخل في صداقةٍ حقيقيّة، وتحالفٍ جدّي، ويتبنّى علاقات تعاون مفتوحة مع العدو الإسرائيلي الذي لا زال يمثل واحدةً من أشد البؤر الخطيرة على الإسلام والمسلمين ويحتل الأرض الإسلامية وينكّل ويشرّد الشعب المسلم.
وهذا ينتج حتماً أنّ التطبيع مع هذا العدو وهو علاقة اتصاليّة قويّة وجدّية ويفتخر بها المطبّعون من الأنظمة الرسميّة لبعض البلاد العربية، لا يكون إلاّ بالانفصال عن خطّ الأمّة وهويّتها وهمومها وهدفها ورعاية مصالحها ودرء الخطر عنها على كلّ من المستوى الفكري والشعوري والعاطفي والعملي.
قطبان متنافران -أمريكا وإسرائيل قطب، والأمة الإسلامية القطب المقابل- ما اقتربت من أحدهما إلاّ ابتعدَ بك عن الآخر، وتطلّب منك أن تبتعد عن الآخر.
هذا التطبيع تخندقٌ جديدٌ وخطير وإنفصاليٌ عن الأمة على حسابها ودينها وأمنها وكل مصالحها. وهو انفكاكٌ من جهة وارتباطٌ بجهةٍ أخرى معادية، ولا يكون أحدهما إلاّ على حساب الآخر، ونفياً له.
هذا التطبيع إضعافٌ للأمة وحربٌ عليها، وفتحٌ لأبواب الزعزعة والإفساد لكيانها لصالح الوجود العدواني الصهيوني ومساندته واستقراره وتمكينه، وتركيز سيطرته، وتَوَسُّعِه ونفوذه وعونه على ظلمه وعدوانه على الأمة والدين والإنسانية.
وهو قهرٌ لإرادة شعوبنا الرافضة له كلّ الرفض، وانصياعٌ لإرادة الأمريكان والصهاينة.
وكلُّ مصالح أمّتنا ومقدّساتها ومقدّراتها يوظِّفها التطبيع رصيداً للحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي ترامب ونتنياهو صاحبه؛ والذي يعني نجاحهما بمركز الرئاسة الأمريكية والإسرائيلية مزيداً من المتاعب لأمّتنا والتحديات الصعبة لوجودها ونهضتها، كما يعني المزيد من الفساد والتّدَهور في أوضاع أمريكا وأوضاع العرب والمسلمين في فلسطين، وجميع مناطق عالم الأرض لِمَا عُرِف به هذان الرجلان من السياسة التي برهنت على أنّهما رجلا حربٍ لا سلام، وفسادٍ لا صلاح، وعدوانيةٍ وظلمٍ لا عدل، وطيشٍ لا عقل ولا حكمة.
هذه الافرازات المؤلمة هو ما ينطق به واقع التطبيع بغضّ النظر عمَّا وراءه من قصد.
وهو تطبيع أنظمة رسمية فيما تراه الأمة لتشتري به كرسيَّ الحكم بدين الأمة وقيمها وكل مصالحها، وليس تطبيعَ شعوب في شيء منه وهو على حسابها. وعُمُر هذا التطبيع مرهونٌ ببقاء السيطرة الانفراديّة للأنظمة المُطَبّعة على شعوبها، وتهميشِ هذه الشعوب وسحقِ إرادتها. ويوم أن تنتفض إرادة الشعوب ويكون لها موقعٌ في بلدانها وكلمةٌ أمام الحكم القائم، هذا التطبيع لن يكون له بقاء.
وحتى في ظل هذه الهيمنة المستكبرة الظالمة، لا يمكن لهذا التطبيع أن يبلغ أهدافه المدمّرة للدين والأمّة إذا اتخذنا موقف الرفض العملي القوي الجدّي المتماسك المنسق، والمقاطعة المشدّدة لكلّ ما من شأنه أن يُنتج أيّ أثرٍ من آثاره السيئة المدمّرة المعادية.
ولئن كان هناك قرارٌ رسمي من دولنا بالتطبيع فهناك قوةٌ شعبيةٌ للأمة يمكن لها بسهولةٍ أن تُسقط هذا التطبيع وأن تمنع عليه أن يُنتج آثاره قبل أن يسقط.
وردّ الفعل الصحيح من هذا التطبيع هو؛ مقاطعةٌ جماهيريّةٌ عامةٌ من الأمة العربيّة والإسلاميّة أشدُّ وأوسعُ ممّا كان من مقاطعةٍ للعدو الصهيوني الجائر فيما مضى، وإلى جانب هذه المقاطعة الدائمة تأتي المقاومة لعملية التطبيع وأصله نفسه، وتأتي تربيةُ المجتمع العربي والإسلامي على عقيدة المناهضة له وإدانته، والإستمرار الجدّي في مقاومته.
لابّد من مقاطعة كل ناتجٍ ماديّ وثقافيّ، وكل فكرٍ وخُلُقٍ ومظهَر ومؤسسةٍ ومشروعٍ وشخوص، وكل ما يمتّ للكيان الإسرائيلي مما يصدّره إلى بلادنا العربية والإسلامية ويستورده منه المطبّعون لإذلالنا وغزونا ونشر الفساد فينا، والأخذ بيدنا بعيداً عن دين الله تبارك وتعالى وعن أصالتنا الإسلامية.
لابّد من الترصّد الدقيق لكل صادرٍ من ذلك إلينا ومستورد؛ لإفشال أن يَجِدَ سوقاً له في أي وسطٍ اجتماعي من أبناء وبنات مجتمعاتنا.
لابّد أن تَسدّ الشعوب العربية والمسلمة كلَّ بابٍ يَفْتَح فرصة اللقاء للصهاينة واليهود بأيّ شريحةٍ من شرائح مجتمعاتنا، ولابُّد من التعامل مع المؤسسات الشعبية بأنواعها والأفراد ممّن يطبّعون مع العدو، وممّن يفتحون لهم أبواب التطبيع تعامل الرفض والإنكار وبما يستحقونه من المقاطعة المُفشلة لمحاولاتهم الشائنة والرادعة لهم من هذا العمل المُسقِط المسيء.
مقاطعة شاملة للعدو الإسرائيلي ومن يقف معه أي موقفٍ فيه تعاون مع خططه ومكره وإرادته السيئة لأمتنا وديننا.
إذا أخذت الأمة بهذا النوع من ردّ الفعل، وبرهنت قولاً وعملاً على عكس ما تتوخّاه الأطراف المُطَبِّعة من ضعف العلاقة بين الأمة وإسلامها، وذهاب الغيرة على الذات والإسلام، وأقامت الدليل من القول والعمل على صلابة موقفها في الدفاع عن حريم إسلامها وحضارتها ووجودها وأرضها وعزّتها ومقدساتها؛ فإنّ أهداف التطبيع ستفشل وإنْ بقيت الحكومات المطبّعة على طغيانها.
–العدو الصهيوني يريد شيئاً، وهو أهم شيء يريده، يطمع في شيءٍ وهو أكبر شيءٍ يطمع فيه، وطمعه الأكبر وإرادته الخبيثة أهم ما تتعلّق به هو فصل أمّتنا عن إسلامها، هو خلق فكر جديد غريب عن الإسلام، نفسية معادية للإسلام، نفسية تستثقل الإسلام وتكره الإسلام، هذا أهم من المكسب السياسي والاقتصادي الآني، ولن يثبت مكسبٌ من المكاسب المادية إلاّ في ظلّ غربةٍ يُحدثها التطبيع وأهل التطبيع بين الأمة والإسلام، نعم يطمعون في ذهاب الغيرة على الذات وعلى الإسلام، يطمعون في الانفصال عن الله ورسوله والقرآن، فلا تعطوهم ما يطمعون فيه، وبرهنوا لهم أنكم على خلاف ما يريدونه لكم، وأنّ ردّة فعلكم في صالح الإسلام، ومعاداةً للباطل كلّ الباطل، ومناصرةً للحقّ وإلتزاماً حقيقياً به-.
ولا يصحُّ أبداً ولا يتمّ المطلوب من المقاطعة أن تقتصر على الجانب المادي فإنّها تنهار سريعاً في ظلّ أي نجاحٍ لغزو فكريٍ ونفسي يأتي من العدو الصهيوني، ويحقّق هدماً للفواصل الفكرية والنفسية عند الإنسان المسلم والعربي تقوم بينه وبين العدو الإسرائيلي، وحينما تنبني في نفس الإنسان المسلم ثقةٌ فيما عليه العدو من فكرٍ ونوايا وسياسة وخُلُق وسلوك فسنكون حينئذٍ جزءً من إسرائيل ولن تكون إسرائيل جزءً منّا. -إذا أردنا أن نذوب في إسرائيل فلنقبل بذوبان الفواصل الفكرية والنفسية بيننا وبين الإسرائيليين، فحينئذٍ سنقبل بكل سهولةٍ سياسية إسرائيل علينا-.
ومن أشدّ ما يقصم ظهر التطبيع ومقاصده القاتلة أن تكون ردّة الفعل عند مجتمعاتنا عودةً بالغة الجدّ كلّ الجدّ شديدة العزم والإصرار للإسلام العظيم الحبيب، عودةً لفكر الإسلام، للمنهج الإسلامي العام، للمنهج الإسلامي السياسي، للأخلاقيّة الإسلامية، ولجديّة الإسلام، وروح المقاومة الإسلامية والإرادة الحرّة الكريمة المُخلِصة المُهتدية بهدى الله تبارك وتعالى، والتي لا ترضى أن تركع، أن تسجد، أن تسمع، أن تصغي إلاّ لكلمة الله.
عودةً تتمثّل في زيادة تخندقٍ والتفافٍ ووعيٍ ويقظةٍ وشوقٍ لحاكمية الإسلام وتمهيداً لظهوره الأعظم وهيمنته، والتفافاً بالقيادة التي يرضاها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ودُمتم في نصرة الحقّ.