منذ إزاحته من حقيبته الوزاريّة التي تسلّمها لـ15 عامًا كوزير خارجيّة آل خليفة، وصمت مريب يحيط المستشار للشؤون الدبلوماسيّة الحالي «خالد بن أحمد آل خليفة»، الذي كما يبدو لم يستوعب للآن صدمة إزاحته من منصبه الذي أتاح له الكثير من الصلاحيات خسرها بـ«شخطة قلم».
الصديق الصدوق للكيان الصهيونيّ، بل يكاد هو نفسه يكون صهيونيًّا، عبر مواقفه الدفاعيّة للموت عن جرائم هذا الكيان بحقّ الفلسطينيين والشعوب العربيّة والمسلمة، لم يهن على الصهاينة أنفسهم الذين خصّصوا أقلامهم للإضاءة على معاناته بعدما «أقام الحداد على خراب هيكله عند حائط المبكى، مؤديًا آخر طقوسه».
كتب «رفائيل أهرين» لموقع تايمز أوف إسرائيل مقالًا طويلًا تحت عنوان «ما السبب وراء إقالة وزير خارجيّة البحرين المناصر لإسرائيل خالد بن أحمد آل خليفة؟»، محلّلًا الأسباب وفق رؤيته الصهيونيّة.
يقول أهرين «خالد بن أحمد آل خليفة، الذي اعترف علنًا بحقّ إسرائيل بالوجود – والدفاع عن نفسها – سيتمّ استبداله بعد 15 عامًا، الغموض يكتنف تخفيض رتبته. بينما يواصل القادة الإسرائيليون إبداء الحماس إزاء التقارب المتزايد للدولة اليهودية مع أجزاء من العالم العربي، تمت إقالة أحد أبرز المؤيدين لهذه العملية – المسؤول الخليجي الوحيد الذي دافع مرارًا ليس عن حقّ إسرائيل في الوجود فحسب، بل عن حقّها في الدفاع عن نفسها عسكريًّا – من منصبه».
ويكمل «في وقت سابق من هذا الشهر قررت المملكة الخليجية الصغيرة استبدال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي شغل منصبه منذ عام 2005، بالوزير عبد اللطيف بن راشد الزياني، وأسباب الإطاحة المفاجئة بكبير الدبلوماسيين المخضرم غير واضحة».
وعلى الرغم من أنّ منصب آل خليفة الجديد يحيطه الغموض فيما إذا كان ترقية أو خفض في رتبته، فإنّ المحللين يتفقون على أنّ الإقالة من وزارة الخارجية لا يمكن اعتبارها سوى تخفيض رتبة، لكن ما لم يكونوا متأكدين منه هو الخلفيّة وراء الخطوة التي اتخذها الملك، وفق تعبير الكاتب الصهيونيّ.
ويستعرض أهرين تحليلًا لـ«يوئيل غوزانسكي» الباحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والذي يركّز على دول الخليج، ينتقد فيه ما أسماه تراجعًا ملحوظًا في مواقف خالد بن أحمد تجاه الكيان الصهيونيّ: «علينا أن نتوخي الحذر وعدم الإسراع إلى استنتاجات، ولكن وزير الخارجيّة هذا كان في السنوات الأخيرة مؤيّدًا لإسرائيل بصورة كبيرة ولكنه عاد في الأسابيع القليلة الماضية إلى موقف أكثر تحفظًا وتقليدي أكثر تجاه إسرائيل»، في إشارة منه إلى خطابه في 23 نوفمبر في المؤتمر الذي عُقد في المنامة، حيث لم يكن لوزير الخارجية خلاله أي كلمات طيّبة ليقولها عن إسرائيل، حيث أعرب عن أسفه لأنّها «لا تزال تتجاهل القانون الدولي، في الوقت الذي توسع فيه مستوطناتها في الضفة الغربية وتواصل احتلالها لهضبة الجولان، وهي يمكنها الاستفادة حقًّا من تحسين العلاقات مع المنطقة إذا أظهرت رغبتها في صنع السلام والتزمت بإنشاء دولة فلسطينية»، ويكمل غوزانسكي: «لقد رأيت هذا الخطاب بمثابة فأل سيء… لقد اتخذ خطوتين إلى الوراء من تصريحات سابقة حول رغبته بتحسين العلاقات مع إسرائيل. ربما ذهب أبعد مما يجب».
ويتطرّق أهرين إلى ما أورده موقع «العربي» الإخباري، وهو موقع أسسه عزمي بشارة، عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي، مقرّب من قطر، بحسب وصف أهرين، أنّ من بين الأسباب المحتملة وراء إبعاد آل خليفة «مواقفه العدائية» تجاه إيران وقطر، وسمعته باعتباره «أحد عرّابي التطبيع مع إسرائيل»، وتصريحاته العلنية المؤيدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والمؤامرات داخل القصر في المنامة.
ويستعرض كذلك رأي سيمون هندرسون، وهو خبير بارز في شؤون البحرين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في أنّ ترك آل خليفة لمنصبه لم يكن غير متوقع لأنّ وزارة الخارجية في المنامة أصبحت «سفينة غير سعيدة» تحت قيادته، فهو لم يوفر «القيادة البيروقراطية التي أرادها الدبلوماسيون البحرينيون»، مقدّرًا أنّ إبعاده سيؤدي على الأرجح إلى «تغييرات تجميلية في السياسة»، ومضيفًا أنّ الوزير المنتهية ولايته كان «داعية قويًّا لتطوير اتصالات مع إسرائيل، وكان صريحًا أيضًا في إدانته للجارة قطر، وقد يخفف الزياني من هذا الخطاب، ربما في كلتا القضيتين».
ويوضح الكاتب الصهيونيّ أنّ خالد آل خليفة ما كان سيجرؤ على وضع نفسه على أنّه صديق لـ«إسرائيل» دون الحصول على ضوء أخضر من القصر الملكي، ويفترض بعض المحللين أنّ المنامة ستواصل نهجها العام في التقارب مع القدس – ولكن بصورة «أقل علنيّة»، مؤكّدًا أنّ في الكيان الصهيونيّ بالكاد لوحظ ترك آل خليفة الوشيك لمنصبه، ويشير سياسيّون في القدس إلى أنّهم يتوقعون استمرار الدفء في العلاقات مع الخليج دون انقطاع، خاصّة مع تأكيد بنيامين نتنياهو أنّ «الفرصة لتطوير علاقات جديدة مع البلدان العربية، هذه الإمكانية أكبر من أي وقت مضى».
واستعرض أهرين في مقاله مواقف خالد بن أحمد الداعمة للكيان الصهيونيّ: «فهو كان أوّل وزير خارجية خليجي يتحدث لوسائل إعلام إسرائيليّة، وكان إلى حد كبير وجه التقارب بين إسرائيل ودول الخليج، حيث كان أول وزير خارجية من المنطقة يمنح مقابلات علنية للصحافيين الإسرائيليين وحتى أنه تم التقاط صورة له مع نظيره الإسرائيلي.
وفي مايو 2018، في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، كتب آل خليفة في تغريدة باللغة العربية “يحق لأي دولة في المنطقة، بما يشمل اسرائيل، الدفاع عن نفسها عبر تدمير مصادر الخطر”، وفي فبراير 2019، قال إن عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية كانت ستكون في وضع أفضل بكثير لولا سلوك إيران الخبيث، وعلى هامش مؤتمر أمن عُقد في وارسو، قال آل خليفة خلال حدث تم إجراؤه وراء أبواب مغلقة: “نشأنا ونحن نتحدث عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية باعتبارها القضية الأكثر أهمية” التي يجب “حلها، بطريقة أو بأخرى”، وأضاف: “ولكن بعد ذلك، في مرحلة لاحقة، رأينا تحديا كبيرا، رأينا تحديا أكثر سمية – في الواقع الأكثر سمية في تاريخنا – الذي جاء من الجمهورية الإسلامية”، وبعد أربعة أشهر، منح آل خليفة ثلاث مقابلات لوسائل إعلام إسرائيلية، من ضمنها تايمز أوف إسرائيل، اعترف خلالها صراحة بحق إسرائيل بالوجود وقال حينذاك: “نحن نعتقد أن إسرائيل دولة ستبقى، ونحن نريد علاقات أفضل معها، ونريد السلام معها”. في شهر يوليو، تم التقاط صورة غير مسبوقة لآل خليفة مع وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على هامش حدث نُظم في العاصمة الأمريكية واشنطن، فيما وصفه الأخير بأنه “مثال آخر على علاقاتنا الدبلوماسية المتنامية”».
إذن كلّ الاحتمالات لإزاحة خالد بن أحمد آل خليفة من منصبه الذي التصق به لسنوات واردة، فإما هي لعبة جديدة تحاك خيوطها في أروقة نظام آل خليفة، وإما هي إعادة حسابات، ولكن الأكيد يبقى أنّ خالد بن أحمد آل خليفة تلقّى ضربة «مات الوزير».