شارك الفقيه القائد في التشييع التاريخيّ الكبير لعمالقة الجهاد القائدين الكبيرين الشهيدين «قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس» ورفاقهما بعد وصول جثامينهم الطاهرة إلى مدينة قم المقدسة يوم الإثنين 6 يناير/ كانون الثاني 2020.
وقد ألقى سماحته نظرة الوداع على الشهيدين القائدين، كما كان له كلمة في تجمّع تجديد العهد والميثاق مع الشهيد قاسم سليماني الذي أقامته هيئة شباب المقاومة في قم المقدسة يوم السبت 4 يناير 2020م، هذا نصّها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على السرّاء والضرّاء..
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه..
من رخصة الأجلاء من المشايخ العظام، من رخصة هذا الجمهور المؤمن المتحفز على طريق الإيمان ألقي هذه الكلمات القصيرة..
{مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
أمةٌ للجهاد، والجهادُ نعمة وفضلٌ من الله يؤتيه من يشاء كما تفيده الآية الأخيرة الكريمة. وفي التَّأهل لهذا الفضل -لفضل الجهاد- فليتسابق المتسابقون، وهو جهادٌ لا عدوان، وبناءٌ وليس هدماً إلا للباطل.
قرأ قاسم سليماني والمهندس أبو مهدي آيات الجهاد، وسمِعاها بأذنٍ واعية، وروحٍ مُتلقيّة، وقلبٍ مفتوح، واستجابوا بكل جوارحهم لنداء الله، واتخذوه منهجاً لا تخليّ عنه، وكلُّ قيمةٍ تُذكر للحياة هي في الجهاد الذي يصنع النفس، يصنع الحياة، يصنع الآخرين، ينصع الحاضر، يصنع المستقبل العظيم.
هنا تقابلٌ ومواجهة، بين أمةٍ وسط، (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، مقابلة بين هذه الأمة وبين دولةٍ بنت سياستها وأمرها على الإثم والعدوان وهدر القيم واستباحة الأرواح وهدر الذمم..
هنا مقابلة بين أمة وسط صارت تشقّ طريق نهضتها المجيدة الصالحة بجدٍّ، وبين دولةٍ هي أمريكا، هي دولة تناهض كل نهضةٍ صالحة، وتريد الحاكمية المطلقة الطاغية لسياستها الشيطانية، ولها أظفارٌ وأنياب، وقوة مادية باطشة، وتعادي وتترّصد كل حركة خيرٍ ونورٍ في الأرض، فلابد أن تستهدف أمّتنا التي تقف في وجه سياستها وغطرستها واستكبارها.
أمريكا تريد على شرّها وجاهليتها أن تكون المعبود الوحيد في الأرض، لا عبادة الله في نظر أمريكا، ولا شريك في نظر أمريكا لأمريكا، أمريكا تريد أن تكون الإله الواحد الأحد زوراً وكذباً وبهتاناً، وذلك من وحي الشيطان، وأمريكا هي الشيطان الأكبر في الأرض.
إنّه لو خلَت الأرض من المقاومة للسياسة الأمريكية لعمّ الفساد في الأرض، وحيث يعمّ الفساد تنتهي الحياة ويتلاشى الإنسان وتذوب الكرامة ويُخسَر المصير.
ويلازم الإسلام وجوداً مقاومة الشر والفساد والبغي والظلم، فحيث الإسلام تكون المقاومة ويكون الجهاد وتكون المكابرة لقوى الطغيان والغطرسة والكفر والإلحاد في الأرض.
الإسلام يُشعل روح المقاومة للباطل، أين وُلِد هذا الباطل ومن أين جاء، واليوم الباطل يتدفق من أمريكا تدفّقاً ليس من مثله تدفقٍ آخر من أي بلدٍ آخر في هذا العالم العريض، أمريكا منبع شرٍّ كبيرٍ في الأرض، أمريكا منبع فساد، أمريكا منبع أخلاقيّةٍ عدوانيّةٍ حيوانيّةٍ بهيميّةٍ شرسة.
والعالم اليوم مهددٌ بغرقٍ شامل، وحريقٍ عام يقضي على الجميع، فلابد من توّحد المقاومة من كل الأديان والتوجهات الإنسانية النابعة حقّاً من فطرة الإنسان في وجه الزحف الهادر لسياسة الإفساد والقتل والسلب والإستعباد ومسخ القيم والسحق لكرامة الإنسان والطمر لمنبع الفطرة واطفاء نور الوجدان، ذلك إنقاذاً للعالم من الخطر المحدق به من تأثيرات السياسة الجاهليّة لأمريكا.
السياسة الأمريكية تستهدف بالهدم والتقويض كلّ بناءٍ صالحٍ داخل الإنسان وخارجه، وكلّ خلقٍ أصيل، وفكرٍ نيّر، وتعليمٍ ديني قويم، وكل أساسٍ من أسس الحياة القويمة، وذلك في اندفاعةٍ جنونيةٍ بلا تعقّلٍ ولا شيء من الأخلاقية ولا بقيّة من ضمير ولا محاسبة بقيمة الإنسان والحياة.
إنّ لغة القتل والتصفيات الفردية والجماعية والاغتيال والفتك وإرعاب الشعوب ونهب الثروات هي خطاب أمريكي لكلّ الدنيا شعوباً وحكومات بأن ذُلّوا للسياسة الأمريكية أو أنْ ليس لكم إلا الموت.. هيهات منّا الذلة.. هيهات منّا الذلة.. هيهات منّا الذلة..
عندما تقول جماهير الأمة، وعندما تقول الجماهير المؤمنة، بل عندما تقول الجماهير العالمية بأنْ تسقط أمريكا، تعني بأن تسقط السياسة الأمريكية، الشرّ الأمريكي، العدوانيّة الأمريكية، الإلحاد الأمريكي، التخريب الأمريكي، أنْ تعيث فساداً أمريكا..
نعم تريد أمريكا للأرض أن تحترق، وللإنسان أن يضلّ، ولمصير الإنسانية أن يتفه، تريد أمريكا للأرض محرقةً تأتي على كل ذرة خيرٍ في الأرض، محرقة تبدأ بحرق الضمير لتحرق من بعد ذلك كل يابسٍ وأخضر..
ولكن هل تكون ما تريد أمريكا؟ نعم يكون بشرط، نعم يكون ما تستهدفه الإرادة الأمريكية بشرط، ولا يكون بشرطٍ آخر، أمريكا تقول لأمّتنا لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا جهاد، ولا مقاومة، ولا تفكروا في عزّةٍ ولا كرامة، ولا استقلال، بل ذُلُّوا وأخضعوا واستكينوا، لا لله، كما تقول أمريكا، وإنما للسياسة الأمريكية ولشياطين أمريكا، هذا ما تقوله أمريكا..
وتسقط الإرادة الأمريكية، ويسقط الخيار الأمريكي، ويسقط الغرور الأمريكي، ويذوب الإستكبار الأمريكي، حينما تقولون نحن أمّة الجهاد، نحن أمّة الأمر بالمعروف، نحن أمّة التضحية، نحن أمّة المقاومة..
رأس الشر في الأرض أمريكا، وأعدى الأعداء سياسةً للإنسان هي سياسة أمريكا، ومن لمواجهة هذه السياسة كالإسلام؟ من لمواجهة الكفر والإلحاد والشيطنة والمادية الخرساء والروح الشيطانية الخبيثة التي تملأ ضمير أمريكا السياسي، -وأنا حينما أتكلم عن أمريكا هنا، حينما أذكر أمريكا في أي موضعٍ هنا إنما أعني السياسة الأمريكية وشياطين السياسة الأمريكية، لا الشعب الأمريكي ولا الأمة الأمريكية- من لهذه السياسة الشريرة يواجهها؟ ويقارعها؟ ويُفشلها؟ ويمتلك الكفاءة لدفع الضمير ولدفع العقل والإرادة في اتجاه اسقاط هذه الإرادة الشيطانية كالإسلام؟ الإسلام وحده، الأمة الإسلامية وحدها تنطلق على طريق الإسلام، ويندفع وراءها العالم، في ذلك وحده إسقاط أمريكا.
والأمة الإسلامية إذا صدَق عزمها، وإذا جدَّ جِدُّها، وصمّمت التصميم الكامل على اسقاط الشيطنة الأمريكية فإنها قادرة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
هذه سياسةٌ لا مُناقِض لها كالإسلام، ولا باعث لروح المقاومة لها كالأمة الإسلامية المُستجيبة له المتربيّة بتربيته.
ومن هنا تشتدّ عداوة شياطين أمريكا للإسلام والأمة الإسلامية وخاصةً لمقاومتها وعلمائها ورموزها وحَمَلة راية الإسلام منها كقاسم سليماني والمهندس العملاقين.
لم يأتي الإستهداف الأمريكي لقاسم سليماني والمهندس أبي مهدي لعدوانٍ شنّاه على الأرض الأمريكية، ولا لنداء دعوا فيه لتدميرها. جاء العداء الأمريكي للرجلين واغتيالهما في وحشية مقيتة لأنهما يعبدان الله لا السياسة الأمريكية، ويخلصان للإسلام وينتصران له، ولأنهما يأبيان لنفسِهما وأمتهما وللإنسانية الخضوع لإرادة المخلوقين.. لأنهما لا يقرّان لأمريكا إقرار العبيد ولا يفرّان فرار المهزومين ولا ينسيان واجب الدين في الدفاع عن الحقّ والإنسان والأرض وحماية الديار والإنتصار للمظلومين والمستضعفين..
لأنهما يأبيان لأمتهما إلا أن تحيا مؤمنة عزيزة كريمة مرفوعة الجبين في الأمم.
فلتكن الأمة كلّها قاسم والمهندس وأمثالهما من أبطال المقاومة الصادقين في التمسك بالإسلام والذوبان فيه والأخذ برؤيته والصدق مع طرحه والغنى بروح التضحية والفداء من أجله ومن حماة الأمة وحُرّاس حدودها والباذلين في سبيل الله بلا حسابٍ ولا حدودٍ بما يرضيه.
أرادت السياسة الأمريكية بجريمتها البشعة في حقِّ قاسم والمهندس وفي كل ما أقدمت وتُقدم عليه من تصفيات جسدية لقادة الحركة الإسلامية ورموزها أن لا يكون في هذه الأمة قاسمٌ ولا مهندسٌ ولا مُغنية ولا أيٌ من أبطال المقاومة الأفذاذ، والجواب من هذه الأمة أن سيكثُر الشجعان الأوفياء الصادقون المقاومون للظلم والبغي والفساد والسياسات المُدَّمِّرة من أبناء أمة الإسلام المجيدة المِعطاء.
رحم الله الشهيدين السعيدين ومن معهما من الشهداء وكل شهداء الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والفاتحة لروح الشهيدين السعيدين وسائر شهداء الإسلام..