أقيم في الضاحية الجنوبيّة لبيروت يوم الأحد 5 يناير/ كانون الثاني 2020 حفل تأبينيّ للشهيدين القائدين «قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس» ورفاقهما، ألقى خلاله سماحة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله كلمة.
نصر الله أشاد بالشهيد سليماني، واصفًا إيّاه بـ«القائد الجهادي الإسلامي العالمي العظيم»، قائلًا إنّه حقّق أمنيته بالشهادة التي كان يحلم بها منذ كان شابًا، حين نالها يوم 2 كانون الثاني 2020، مع صديقه أبو مهدي المهندس الذي كان بدوره يتوق إليها.
وأكّد سماحته أنّ «أقصى ما يملكه عدونا هو أن يقتلنا وأقصى ما نتطلع إليه هو أن نقتل في سبيل الله»، والشهادة هي انتصار وليست هزيمة، ويوم الاغتيال سيكون نموذجًا جديدًا لانتصار الدم على السيف.
وتطرّق إلى ما جرى مع الشهيد سليماني منذ مغادرته مطار دمشق علنًا إلى استشهاده واعتراف أمريكا بالهجوم وتبريرات ترامب الكاذبة، مؤكّدًا أنّها جريمة واضحة وعلنيّة، فمن أعطى الأمر يقول ذلك ومن نفّذ العمليّة يعلن ذلك صراحة، وهذا الاغتيال العلنيّ هو نتيجة فشل كلّ المحاولات السابقة للاغتيال، وآخرها في بلدة الحاج قاسم في كرمان عبر وضع المتفجرات في الحسينية التي يحضر بها مئات الناس.
وقال نصر الله إنّ استعراض هذا المشهد يوضح أهداف الاغتيال، ويحدّد مسؤوليّة الجميع لمواجهة أهداف الاغتيال، موضحًا أنّ السبب الذي دفع ترامب إلى هذه الجريمة هو أنّه بعد 3 سنوات من توليه الرئاسة الأمريكيّة هناك فشل وعجز وارتباك، وليس هناك ما يقدّمه للشعب الأمريكي على مستوى السياسة الخارجية وهو ذاهب إلى الانتخابات، وقد وضع هدفًا أولًا هو إسقاط النظام الإسلامي في إيران وهذا ما عبر عنه جون بولتون المستشار السابق للأمن القومي الأميركي، كما أنّ سياسته هي أن يأتي بإيران إلى طاولة المفاوضات، لكن ستنتهي ولايته ولن تذهب إيران إليه ولن يتلقى أي اتصال هاتفي.
وأضاف سماحته أنّ ترامب فشل في سوريا وفي لبنان واليمن وأفغانستان ولم يستطع أن يفرض صفقة القرن نتيجة صمود الشعب الفلسطيني والقيادات الفلسطينية رغم ما يتعرضون له، وتابع أي مشروع ترامب في العراق؟ فهو يريد السيطرة على نفطه دون رادع، وأراد أن يستمر داعش لسنوات لكي يكون هناك حجة للبقاء في العراق، لكنّ الذي جرى هو فوز الاتجاه السياسيّ الذي لا يخضع للأمريكيين، فالأغلبية النيابية في المجلس النيابي من الشخصيات الوطنية التي ترفض الخضوع للإرادة الأميركية وعلى ضوئها تشكلت حكومة أزعجت الأميركيين رفضت أن يكون العراق جزءًا من الحملة على إيران، ورفضت تأييد صفقة القرن والمساهمة في تصفية القضية الفلسطينية، وذهبت إلى الصين لتقيم عقودًا بمئات مليارات الدولارات بينما أمريكا تريد المشاريع لشركاتها، كما رفضت أن تبقى الحدود مغلقة مع سوريا وأصرت على فتح معبر البوكمال.
وأوضح أنّ الأمريكيّين احتلوا العراق من أجل السيطرة عليه وعلى خياراته، وعندما وجدوا أنّ الشعب يريد أن يستقل ويتحرر أطلقوا عليه الجماعات الإرهابية التي أسسوها، وحاولوا في الآونة الأخيرة أن يدفعوا بالعراقيين إلى الحرب الأهلية وموقف المرجعية والقيادات والعشائر والحشد حال دون ذلك، كما سعت واشنطن إلى إحداث فتنة بين الشعبين الإيرانيّ والعراقي، فقد تصرّف الأمريكيون في الأسابيع الأخيرة بهلع وهم يشعرون أن العراق يفلت من أيديهم.
وتابع سماحته أنّ ترامب والإدارة الأمريكيّة أمام هذا الفشل والعجز في المنطقة ذاهبة إلى انتخابات رئاسيّة، وترامب ليس لديه إنجاز فعليّ في السياسة الخارجيّة التي لا تتعدّى كما يتناولها في خطاباته الانتخابية 3 أمور هي: 400 مليار دولار أخذها من السعودية بسخرية وإهانة، صفقات بيع السلاح إلى الدول العربية بعشرات مليارات الدولار، وقرار نقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس، لذا بات مع الإدارة الأمريكية معنيّين بالذهاب إلى مرحلة جديدة، وهنا فإنّ عملية الاغتيال ليست منفصلة بل بداية أمريكية في المنطقة حيث إنّهم هم من بدأوا حربًا جديدة في المنطقة، فقد بحثوا في تغيير المعادلات وكسر محور المقاومة وإعادة هيبة واشنطن.
وعن سليماني روى السيد نصر الله أنّه قد أخبره قبل أسابيع أنّ ثمّة تركيزًا في الولايات المتحدة عليه، وكان الحديث عن أنّه الجنرال الذي لا بديل له، لكنّه كان يضحك من احتمال اغتياله، وأينما ذهبت أمريكا وإسرائيل في ملفات المنطقة كانوا يجدون رجلًا في مواجهتهم في كلّ مكان في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وكلّ محور المقاومة كانوا يجدون قاسم سليماني، الذي بات الكيان الصهيونيّ يعدّه أخطر رجل على وجوده وكان لا يجرؤ على قتله، فلجأ إلى أمريكا لقتله، حيث إنّ النقطة المركزية في دول المقاومة وقواها وفصائلها كانت تتجسد في قاسم سليماني، وبالتالي كان القرار بقتله بشكل علنيّ، وهذا كان له أهداف سياسيّة ونفسيّة وعسكريّة، فهم يأملون أن يحصل وهن في العراق وقوى المقاومة وأن تتراجع الصلة المتينة بين محور المقاومة وإيران، وأن تخاف الأخيرة وتتراجع، فثمّة مشروعان يتصارعان، مشروع الهيمنة الأمريكيّة والإسرائيلية على المنطقة وعلى المقدسات وعلى النفط والغاز والخيرات، أما المشروع الثاني فهو مشروع المقاومة والسيادة والاستقلال والحرية.
وتابع سماحته إنّ المواجهة مع الجريمة بدأت، ففي إيران كان يأمل ترامب ترهيب طهران وإخضاعها من أجل الذهاب إلى المفاوضات، وأن لا تقوم بأي رد فعل على الجريمة، لكنّ الردّ بدأ من بيان السيد الخامنئي الواضح وباقي البيانات والشعب الإيراني الذي نزل بشكل عفوي في كل المدن، وهو ما أفشل رهان بومبيو على موقف الشعب الإيرانيّ وكيف سيتعاطى مع الاستشهاد.
لقد أعلنت إيران أنّها ستردّ وتنتقم وبالتالي الهدف الأول للعملية أسقطه الإيرانيّون، وفي العراق كان الأمريكي يراهن على ضعضعة الحشد الشعبي والفريق الوطني ويذهب العراق إلى محنة داخلية وتحصل عملية ترهيب لبقية العراقيين، غير أنّ الرد العراقي بدأ بتشييع الشهداء سويًّا وهو ما أفشل مخطط الأمريكان بفتح كلّ الجروح وزرع الأحقاد بين العراقيين والإيرانيين، والحراك الشعبي من الخميس إلى اليوم دليل على انقلاب السحر على الساحر في العراق، كما يتطلع العالم كله اليوم إلى مجلس النواب في العراق حيث أغلب الكتل أكدت أنها ستصوت رغم الضغوط الأمريكية على قرار خروج القوات الأمريكية من العراق، وإن لم يسقط الهدف الأمريكي في مجلس النواب العراقي؛ فالمقاومون الشرفاء أبناء أبي الفضل العباس لن يبقوا جنديًّا أمريكيًّا في العراق، فالقدر المتيقن وأضعف الإيمان في الردّ على جريمة قتل سليماني والمهندس هو إخراج القوات الأمريكيّة وتحرير العراق من الاحتلال الجديد، وسيكشتف الأمريكيّون أنّهم خسروا العراق بينما كان هدفهم من قتلهما العكس، فسليماني كان خلف المقاومة التي حررت العراق من الإرهاب، ويجب أن يؤدي دمه ودم أبو مهدي إلى التحرير الثاني للعراق من الاحتلال الأمريكي.
وعن ردّ دول محور المقاومة وشعوبها قال السيد نصر الله إنّه يجب مواصلة المسير بصلابة في سوريا باتجاه النصر النهائي دون خوف أو قلق نتيجة استشهاد القائد العظيم، وفي اليمن يجب أن يمضي اليمنيون بشجاعة وبالثقة نفسها، فأمريكا تريد ترهيب قوى المقاومة وقياداتها في المنطقة لكي تخاف وتتراجع، وأول ردّ من حركات المقاومة هو الاستمرار بالتمسك بالأهداف والقضية المركزية والصراع الأساسي ولن تتراجع ولن تضعف أو تخاف.
وختم سماحته «نحن على مشارف انتصار استراتيجي في المنطقة ولا ننهزم بسقوط قائد من قادتنا بل نحمل دمه وأهدافه ونمضي إلى الأمام بارادة وإيمان وعشق للقاء الله كعشق قاسم سليماني، ونحن أبناء من قال “أبالموت تهددني يابن الطلقاء؟ إن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة»، مؤكّدًا أنّ الردّ هو في القصاص العادل، ويجب أن يتعرض مرتكب الجريمة للعقاب خاصّة أنّ قاسم سليماني ليس شأنًا إيرانيًا بل يعني محور المقاومة ويعني الأمة، وهذا لا يعفي المحور من المسؤولية، فقوى المقاومة عليها هي أن تقرر كيف تتعامل أو تتصرف مع هذا الحدث وإيران لن تطلب شيئًا ولم تطلب من أصدقائها أو حلفائها شيئًا وهي اليوم في عزاء، ولكن «هل نكتفي بالتأبين والعزاء؟ والمسألة تعني كل المنطقة وتستهدف الجميع وتخدم أهداف الأمريكيين والإسرائيليّين، نحن يجب أن نذهب جميعًا إلى القصاص العادل»، وهذا القصاص يجب أن يكون من الجيش الأمريكيّ وقواعده وبوارجه، وهو من يجب أن يدفع الثمن لا الشعب الأمريكي على امتداد المنطقة، فثمة مواطنون أمريكيون لا ينبغي المس بهم، لأنّ ذلك يخدم سياسة ترامب ويجعل المعركة مع الإرهاب، ولن تمرّ قضية الاغتيال بشكل عابر وإلا سنكون أمام بداية خطرة لكل حركات وقيادات ودول ومحور المقاومة، فالاستشهاديون الذين أخرجوا أمريكا من المنطقة في السابق موجودون وأكثر بكثير من السابق، وبينما كان المجاهدون والمقاومون قلة قليلة في السابق، صاروا اليوم شعوبًا وقوى وفصائل وجيوشًا، ويملكون إمكانات هائلة ستخرج الأمريكيّين مذلولين ومرعوبين كما خروجوا في السابق، فهذا هو الهدف الذي يجب وضعه نصب الأعين، لأنّه إذا تحقّق سيصبح تحرير القدس على مرمى حجر وقد لا نحتاج إلى معركة مع إسرائيل، وفق تعبيره.