بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُؤْمِنُ الْخائِفينَ، وَيُنَجِّي الصّالِحينَ، وَيَرْفَعُ الْمُسْتَضْعَفينَ، وَيَضَعُ الْمُسْتَكْبِرينَ، ويُهْلِكُ مُلُوكًا وَيَسْتَخْلِفُ آخَرين، والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين النبيّ الأكرمِ محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.
بدايةً، أسمى آياتِ العزاءِ نرفعُها إلى وليِّ أمرِ المسلمينَ سماحةِ السيّدِ عليِّ الخامنئيّ «دام ظلّه» وسماحةِ الفقيهِ القائدِ آيةِ اللهِ قاسم، وإلى شعبِنا البحرانيِّ الأبيِّ والأمّةِ الإسلاميّةِ جمعاء، بحلولِ شهرِ محرّم الحرام، شهرِ الفاجعةِ الكبرى والمصيبةِ العظمى باستشهادِ سبطِ النبيِّ الأكرمِ «ص» الإمامِ الحُسين «ع» وأصحابِه وأنصارِه، هذه الذكرى التي ما زلنا نحيا بإحيائِها في كلِّ عام، ونستلهمُ منها دروسَ العزّةِ والكرامةِ والصبرِ والإيثارِ، والتضحيةِ والفداءِ في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ سبحانه وتعالى.
تكمنُ فلسفةُ إحياءِ هذه المناسبةِ الجليلةِ في إدراكِ معنى أن نكونَ بحقٍّ حسينيّينَ قولًا ومصداقًا، بل كيف نعملُ على تأسيسِ جيلٍ حسينيٍّ كربلائيٍّ مقاومٍ يرفعُ رايةَ الإسلامِ المحمديِّ، ويحافظُ عليها عاليةً خفّاقةً، من دونِ أن تتزلزلَ أقدامُهُ في أوّلِ مواجهةٍ مع الخطِّ اليزيديِّ الذي يحاولُ عسكريًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا القضاءَ على إسلامِنا المحمديِّ، وإشاعةَ الفسادِ والرذيلةِ في مجتمعاتِنا تحت عناوينَ خادعةٍ وبرّاقةٍ، فثورةُ عاشوراء أو النهضةُ الحسينيّةُ لم تقمْ إلّا من أجلِ إحقاقِ الحقِّ وإبطالِ الباطلِ، وإحياءِ معالمِ الدين، والحفاظِ على شريعةِ سيّدِ المرسلينَ «ص»، بدأتْ من الإمامِ الحسينِ «ع» وستستمرُّ إلى الإمامِ المهديِّ «عج» الذي سيثبّتُ معالمَ الدين، ويشيّدُها ويعمرُ البلادَ ويحيي العباد، وينتقمُ من قتلةِ جدِّه الحسين «ع»، وهنا تبرزُ أبعادُ شعارِ «مع إمامٍ منصور» المقتطفِ من زيارةِ عاشوراء في أنّ يسعى الحسينيّونَ حثيثًا إلى أن يكونوا أهلًا للالتحاقِ بجيشِ المهديِّ «عج» ليكونوا معه في انتصارِ الحقِّ على الباطل.
لم يفجّرِ الإمامُ الحُسينُ «ع» ثورتَه الخالدةَ عامَ 61 للهجرة أشرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما ساعيًا لإصلاحٍ بنيويٍّ جذريٍّ في الواقعِ المريرِ الذي تعيشُهُ الأمّةُ الإسلاميّةُ جرّاء تسلّطِ حاكمٍ ظالمٍ متكبرٍ فاسد، منحرفٍ عن جميعِ القيمِ والمبادئِ الإسلاميّة، «فعلى الإسلامِ السلامُ إن بُليتْ براعٍ مثل يزيد» الذي كان سيوصلُه إلى الهاويةِ ويمحي معالمَه… من ثورةِ عاشوراء، المدرسةِ الزاخرةِ بقيَمِ الفداءِ والتضحيةِ والإيثارِ علينا أن نستلهمَ الدروسَ والعِبرَ التي تُؤهّلُنا لخوضِ غِمارِ المواجهةِ الحقيقيّةِ مع يزيدِ عصرِنا، متسلّحينَ بالإيمانِ والعقيدةِ الراسخة، غير آبهين لكلِ عدّتِهِ وعتادِه.
أيّها الأحبّة، يا أبناءَ شعبِ البحرين الأبيّ، يا أبناءَ مدرسةِ الإمامِ الحُسين «ع»، وإذ تعودُ ذكرى ملحمةِ الطفِّ الخالدةِ، هذه الملحمةُ التي فتحت آفاقًا ومساراتٍ مشرقة لكلِّ الثّائرين في العالم من أجلِ التمرّدِ على الظلمِ والطغيان، والتحررِ من نيرِ العبوديّةِ والذلِّ، حريّ بنا أن نؤكّدَ ثباتَنا على مواصلةِ إحيائِها مع كلِّ حسينيِّ منكم، من هنا نوجّه من وحيها بضعَ كلمات:
الأولى: رسالةٌ للأحبّةِ المعتقلينَ السياسيّينَ:
إنّ كلماتِ الفخرِ والاعتزازِ عاجزةٌ عن أن توفيَ حقَّكُم، يا من قهرتمُ القيودَ بصبرِكُم وصمودِكم، ويا من تستقبلونَ الموسمَ العاشورائيَّ وأنتم صائمونَ مقاومونَ من أجلِ عزّتِكم وكرامتِكم، وكيف لا تكونونَ كذلك وأنتم أبناءُ مدرسةِ هيهاتِ منّا الذلّة؟ أبيتُمُ الذلَّ فتصاغرَ السجّانُ تحت أقدامِكم ذليلًا خاسئًا.. اصبروا واثبتوا على ما أنتم عليه، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلونَ بصلابةِ إيمانِكم ووعيِكم الحُسينيّ، وثقوا أنّ قضيّتَكم لن تكونَ يومًا من الأيامِ موضعَ مساومةٍ، فحقُّكم في الحُريّةِ ثابتٌ وقطعيٌّ، والأهدافُ التي سُجِنتُم من أجلها شرعيةٌ ومشروعةٌ، ولا تنازلَ عنها مهما طال الزمنُ أو قصُر.
الثانية: لرصِّ الصفوفِ واجتماعِ الكلمة:
إنّ وحدةَ الكلمةِ سببُ كُلِ خيرٍ وقوةٍ وعزّة، والفُرقةَ والشتاتَ مدعاةٌ لكلِ سوءٍ وضعفِ وهوان، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، لذا فإنّنا نُشدّدُ مجدّدًا على أهميّةِ الاجتماعِ وتقويةِ أسبابِ الوحدةِ الداخليّةِ بين مختلفِ أطيافِ شعبِنا الأبيّ، وتغليبِ الصالحِ العامِ على كلِّ اختلافٍ أو تنازعٍ في الآراء والمواقف، ويدُنا في ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير ممدودةٌ للجميع من أجلِ تحقيق المزيد من التعاونِ والتكاملِ الذي يُفضي لتحقيقِ الأهدافِ السامية التي يرنو إليها الشعب، وفي مقدّمتها نيلُ حقّهِ المشروعِ في تقريرِ مصيره السياسيّ.
الثالثة: لتفعيلِ شعارِ موسم عاشوراء «مع إمامٍ منصور»:
ليس بالأمرِ السهلِ أن نُكتبَ من أتباعِ «الإمام المنصور» ومن المنضوين تحت لوائه والمتشرّفين بالقتال بين يديه، من دون أن نمتثلَ للأوامر الإلهيّة ونتحلّى بالصفات الإيمانيّة الخاصّة التي تتناسبُ وطبيعةَ الأهدافِ الكبرى التي يحملُها الإمامُ «أرواحُنا لترابِ مقدمه الفداء»، لذا فإنّ رفعَنا شعارَ «مع إمامٍ منصور» في موسمِنا العاشورائيّ هذا، يعني أنّ علينا أن نُفعّلَ مضامينَه ودلالاتِه الإيمانيّةَ العميقةَ، وذلك عبر تحقيقِ درجةٍ عاليةٍ من الارتباطِ الروحيِّ والمعنويِّ بإمامِنا المنقذ، وإدخالِ السرور على قلبه بما نصنعُه في شعائرِ الإحياء العاشورائي، وكذلك في مساراتِ عملِنا الثوريّ والجهاديّ، وأن نكونَ على قدرٍ كافٍ من المسؤوليّةِ الشرعيّةِ والأخلاقيّةِ حتى نكونَ بصدقٍ وحقّ من الممهّدينَ لظهورِه «عج»، وأن يكتبَنا الله «جلّ في علاه» من زمرةِ أتباعه.
الرابعة: للذودِ عن الشعائرِ الحسينيّة:
لقد بلغ الأمرُ حدًّا خطرًا في تكرارِ تعدّياتِ النظامِ الخليفيِّ الإرهابيِّ على الشعائرِ الحُسينيّةِ المُقدّسةِ التي كانت تُقام على أرض البحرين الطاهرة منذ مئات السنين، وقبل أن يُدنّسَها بغزوها سنة 1783 م، وهو ما يستوجبُ موقفًا شجاعًا وحاسمًا من عُشّاق الإمامِ الحُسين «ع » في الذودِ والدفاع عنها، فدونها ترخص الدماء والأرواح، وليعلمَ النظامُ الخليفيُّ المستبدُّ أنّ تعدّياتِه على رايةِ سيّدِ الشهداء الإمام الحُسين «ع» ستُعجّلُ بنهايته القادمةِ والقريبةِ على يدِ المقاومينَ من أبناءِ شعبِنا المجاهد العظيم.
خِتامًا: نُجدّدُ العزاءَ لكم يا أبناءَ شعبِنا بحلول شهر محرم الحرام، سائلينَ المولى «عزّ وجلّ» أن يوفقَنا وإياكم لاستلهامِ الدروسِ والعِبرِ من فيضِ مدرسةِ عاشوراء الإمام الحُسين «ع»، وألا نخرجَ من هذا الموسمِ المهمّ إلّا وقد غرسنا في قلوبِنا وعقولِنا القيمَ الإسلاميّةَ العليا والمبادئَ الساميةَ لثورته «ع»، والتي من أبرزِها الصبرُ والصمودُ والشجاعةُ والإيثارُ والاستقامة، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
صادر عن: ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير
الأحد 1 محرّم الحرام 1441هـ/ 1 سبتمبر 2019
البحرين المحتلّة