وجّه الفقيه القائد سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم اليوم الثلاثاء 13 أغسطس/ آب 2019 رسالة إلى معتقلي الرأي في السجون الخليفيّة أشاد فيها بصبرهم وثباتهم.
سماحته خاطبهم بعبارات ازدانت بالتقدير والإجلال لكلّ تضحياتهم، فهم صوت الحريّة وكلمة الحق، والنور الذي يخترق الظلمات.
وأضاف أنّ كل ما يعانونه هو بعين الله تعالى، وأنّ لهم حقوق على الناس لا بدّ من أن تحفظ.
وهذا نصّ البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُمَّ صلِّ على المصطفى خاتمِ النبيِّين والمُرسلين وآلِهِ الطَّاهرِين..
السُّجناءُ الأحرارُ الأعزاءُ الكرامُ في بحرينِ الإيمانِ، والحريَّةِ، والعزَّةِ، والكرامةِ.
يا صوتًا دوَّى بنداءِ الحريَّة لا تخفُت، يا كلمة حقٍّ انطلقت تحيى ولن تموت، يا نورًا يخترقُ الظُّلمات ولا يُقهر، يا وعيًا نفّاذًا لا يقاوم.
سجناءٌ نورُكم يخترقُ الجدرانَ، ينيرُ القلوبَ، يُذكي الهِممَ، يدفعُ بالعزمِ للأمام.. صبرُكُم مدرسةٌ، وعيُكم دليلٌ، بصيرتُكُم هاديةٌ، صمتُكُم نطقٌ بليغٌ..
أذاكم جراحاتٌ داميةٌ في القلوب.. تلاوتُكم، تهجّدكم، ذكرُكم لله العظيم، دعاؤكم، وابتهالكم إليه في ظلمات السجون ينعكس أنوارًا ساطعةً على كلِّ ساحة الوطن، يصل منه شعاعٌ إلى كل قلبٍ مفتوحٍ على الهُدى والنُّور.
سجناءَنا الأعزَّاء الكرامَ..
سجناءَ الفضيلة، والكرامة، لا أحدٌ إلا ويعرف ما أنتم فيه من معاناةٍ -وقسوتها- وضيقٍ -وشدَّته-، لكنّكم أنتم الذين تعيشون هذه المعاناةَ، والشّدةَ على حقيقتها، وتلتصقون بواقعها الثقيل، وتفرضُ مرارتَها على وجدانكم بواقعها -لا خَبَرها- على مدى الزمن الطويل.
وما من شيءٍ من ذلك إلا وهو معلومٌ لله العليم الخبير، محفوظٌ عنده، لكم جزاءً كريمًا، عظيمًا، يقصر عنه الطموح، ولا يبلغه طموحُ طامح، ولا تصوّر من يبعد في التصوّر.
أنتُم سجناءُ شرفٍ، ومن أشرفِ الشرفاء..
سجنكم لكلمةِ حقٍّ قلتُمُوها، وموقفِ حقٍّ وقفتُمُوه، ولدِينٍ غاظكم وآلمكم أن تمسَّ حرماته، ولمظلومٍ ظُلم فما سكتُّم على مظلمته، ولحقٍّ هُضم فما هان عليكم أن يُهضم، ولمُنكَرٍ ارتكب فأسرعتم لإنكاره.
سُجِنتم لأنّكم ناديتم بإحقاقِ الحقِّ، والرجوعِ إلى العدل، وإقامةِ القِسط، واحترامِ الدِّين وقيَمه، وتوقيرِ الشريعة وأحكامها، واحترامِ النفس الإنسانيَّة، وعدمِ التنكّر لحقوقها.
سُجِنتم وأقدامكم على طريق السجن من أجل كلِّ الشرفاء، وكلِّ الأبرياء، وكلِّ المظلومين، وكلِّ المستضعفين، ومن كلِّ الشهداء، وكلِّ قطرة دمٍ سالت على الأرض لمظلومٍ استغاث من ظلامته. فما أعظم جميلكم، وما أكبر حقَّكم على الجميع.
أنتم في كلِّ يومٍ، وفي كلِّ ساعةٍ، ولحظةٍ -كنتم قيامًا أو قعودًا، أيقاظًا أو رقودًا- في كسبٍ جليلٍ، وربحٍ عظيمٍ، وازديادٍ في الخير، وتوفّرٍ على ذخرٍ كريمٍ لا يضيع عند الله.
للسجين هذا ما كان سجنه لله -وبقي على التزامه بخط الله، وصدقه مع الله، والتقيُّد بأهداف دينه، وبأحكام شريعته؛ فسجين هذا نهجه- هو في جهادٍ دائمٍ في سبيل الله، وعبادةٍ مستمرةٍ، وثوابٍ متّصلٍ.
وكيف يقضي النَّاسُ شيئًا من حقِّ سجناء الدِّين، والشّرف، والحريَّة، والعزَّة، والكرامة؟
لا قضاء لحقِّهم إلا بالاستقامة على الطريق الذي يحقّ الحقَّ، ويبطلَ الباطل، ويقيمَ العدلَ، ويذهبَ بالظُّلمِ، وبحفظِ الدِّين، ويستردَّ الكرامة، ويصون الحريَّة، وينهي الاستضعافَ، ويضع كلَّ شيءٍ في موضعه.
هذا أوَّلُ حقٍّ للسُّجناء على النَّاس، وكلُّ حقوقهم يجب أن تحفظ، وكلُّ حقٍّ له موضوعه.
فرَّج اللهُ عن سجائِنا الكرام في البحرين، وعن كلِّ سجينٍ مظلومٍ، وحقَّق النَّصر العاجل لكلِّ المظلومين.
عيسى أحمد قاسم
١٣ اغسطس ٢٠١٩م