تستمرّ قوافل الشهداء على خطى أبي عبد الله الحسين «ع» في مسيرة ابتدأها شعب البحرين منذ مئات السنين، قدّم فيها القرابين رجالًا من مختلف الأعمار ونساءً وأجنّة في بطون أمهاتهم.
ثورة 14 فبراير ملحمة حسينيّة تُكتب على صفحات عزّ بحبر الدم الطاهر، فمن تلك الصدور العارية التي رحّبت بالموت في الساحات، إلى الأجساد التي نزفت في غرف التعذيب، إلى المقاومين الذين استبسلوا في الجهاد حتى قضوا، إلى قامات شامخة احتضنت الرصاص وهي باسمة.
«علي السنكيس، سامي المشيمع، عباس السميع» 3 أبطال غادروا الدنيا شاهدين على ظلم يعكس وحشيّة طاغية قابلوها ببراءة طهر الشهادة حين أعدموا بالرصاص جورًا وكيدًا.
تقول «فاطمة السنكيس» أخت الشهيد الأصغر من بين الثلاثة «علي»:
«كان الشهيد علي من النوع المرح، يحبّ الضحك والمزاح، وعمل المقالب، خفيف الظلّ لدرجة أنّه محبوب جدًّا، حنون، يخدم الجميع، كريم النفس أبيّ، ما في يده ليس له، كان يملأ البيت بهجة وسرورًا.
ترتيبه بين إخوتي الثاني، فهو يصغرني بخمس سنوات ويكبر أخي أحمد بعشر سنوات.
إنسان صاحب قلب كبير، مؤمن، متعلّق بأهل البيت «ع»، لا يترك مناسبة إسلاميّة فرح أو حزن من دون أن يشارك فيها ويحضرها، فيترك بصمته فيها ولو بشيء قليل، حتى المناسبات الاجتماعيّة من زواج وأعياد ميلاد وغيرها تراه حاضرًا يقدّم يد العون والمساعدة وأوّل المهنّئين.
داخل الأسرة متّن علي علاقته مع الجميع، فقد جمعته بنا علاقة قويّة، فهو مع والديه ربطته علاقة قويّة جدًّا تقوم على الاحترام والحبّ، بجوّ من الصداقة الأبويّة.
اعتقل أوّل مرّة فجرًا مع انطلاق الثورة قبل الأذان وغيّب لمدّة 4 أيّام مع انقطاع أخباره، ومكث في السجن نحو 55 يومًا قبل أن يفرج عنه.
الاعتقال الثاني، من منطقة الدراز، لم يكن هو المقصود، إنّما اعتقل عشوائيًّا، اتصّل بنا في اليوم نفسه ليخبرنا أنّه في التحقيقات، وبعدها انقطعت أخباره نحو 12 يومًا لم نسمع منه أي شيء، لتعود وتنقطع أخباره نحو شهر كامل يكفي لاختفاء آثار الكدمات والجروح واللسعات الكهربائيّة عن جسمه».
وتستذكر أخت الشهيد الليلة التي سبقت الإعدام:
«هذه الليلة كانت أصعب الليالي التي رجعت فيها من زيارته، كنت أشعر في قرارة نفسي بأنّه آخر لقاء ما بيني وبينه، تمنيّته كابوسًا أستيقظ منه، أمرضني وداعه، وبقيت أحسب الثواني والدقائق وأنا أرجو ألّا يتحقق المكتوب، لم أرد لشمس 15 يناير أن تشرق، ولكن جرى ما جرى.
بدأت أخبار إعدامه مع سامي وعباس تصلنا غير مؤكّدة حينًا ومؤكّدة حينًا، وما بين تكذيبها مرّة وتصديقها أخرى أدركت أنّ أخي الذي كنت عنده أغلى من عمره قد استشهد ورحل».
وتختم أخت الشهيد: «كان يوصي دائمًا بمواصلة الدرب، درب أهل البيت «ع» الذين كان متعلّقًا بهم بشدّة، وما أثّر بي لحظة وداعه أنّه صعب عليه فراقنا وبكى، بكى لا خوفًا على نفسه إذ كان مطمئنًا لمصيره في جنان الخلد، ولكن أدمعت عيناه خوفًا على الشعب من الظلم الذي يلقاه».