بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه، وجلال كبريائه، ما حيّر مقل العقول، نحمده ونستعين ونؤمن به، ونتوكّل عليه وكفى بالله وكيلًا، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: «ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربّهم يرزقون».. صدق الله العلي العظيم
ما أعظم العطاء والبذل حينما يضحّي الإنسان بنفسه وروحه لأجل قضيّة يحملها ودين يؤمن به، متقرّبًا بذلك إلى الله «عزّ وجلّ». مثل هذا العطاء الجميل والقتل في سبيل الله ليس النهاية بل البداية الحقيقيّة، والخلود السرمديّ، والنعيم الأبديّ، «ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون»؛ فالشهداء بعطائهم وتضحياتهم هم أحياء عند ربّهم وفي وجدان الأمّة وضميرها، وهم الفاتحون، وهم الشموع التي تنير ربوع الوطن، وبالاقتداء بهداهم، والسير على خطاهم، تستمرّ الثورة في اتقادها ووهجها، وبصمود عوائلهم المضحّية التي تشكّل العمود الفقريّ لها يتحقق النصر.
سلام عليكم أيّها الشهداء، وسلام على الأرض التي ارتوت من دمائكم الطاهرة ودفنتم فيها وفزتم فوزًا عظيمًا، سلام عليكم يا عوائل الشهداء وعنوان كرامة الشعب ومجده وعنفوانه، سلام عليكم يا أنوار مسيرتنا، يامن قدّمتم فلذات أكبادكم في سبيل مرضاة الله تعالى وإعلاء كلمته، وفي مقارعة الجبت والطاغوت ورحمة الله وبركاته.
انقضت أعوام على الرابع عشر من فبراير 2011، يوم خرجتم ثائرين سنّة وشيعة، مطالبين بحريّتكم وعزّتكم وتقرير مصيركم، واسترداد حقوقكم المسلوبة، منادين بالإنصاف والعدل، وتغيير الواقع المليء بالظلم والتميّز، ولا تزال صرختكم تدوي في الآفاق على الرغم من مرارة الظلم والقمع الذي يمارسه الكيان الخليفي بحقّكم، مضت السنوات وأنتم صامدون صابرون ثابتون، لا يحتوي قاموسكم الجهادي مفردات التراجع أو التنازل عن كرامتكم وإنسانيّتكم ومطالبكم بنيل حقوقكم، بل ازددتم قناعة بضرورة مواصلة الطريق، بعد تعنّت الكيان الخليفي في ظلمه ومحاولته النيل من كرامة أيّ شخصيّة تنطق بكلمة الحقّ والعدل، وبعد سقوط كلّ أقنعته المزيّفة وانكشاف وجهه البشع، حتى بلغت خسّته أن يعلن أمام الملأ عن هرولته غير المسبوقة للتطبيع مع الصهاينة الغاصبين لأرض الإسراء والمعراج، ويفتح أبواب الوطن الجريح لاستقبال رموز كيانهم.
يا أبناء شعبنا العزيز
لا تهنوا ولا تيأسوا.. فما أقدم عليه الكيان الخليفي من ذروة القمع في الداخل وذروة التطبيع مع الصهاينة في الخارج، لهو دليل قاطع على أنّه بات في مراحله الأخيرة، حينما حرق كلّ أوراقه، وأخذ يبحث عمّن يحميه ويغطّي على إجرامه وبطشه، استمرّوا بحضوركم في الساحات والميادين، انبذوا كلّ دعوات التراجع، ولترفرف بيارق الآمال والانتصار، فالكيان الخليفيّ إلى زوال لا محال كما سقطت أصنام من سبقوه من طواغيت وفراعنة.
يا شعب الصبر والإيمان، يا من ضحّيتم وبذلتم الدماء من أجل دينكم وقضيّتكم، فمن بعد الله تعالى، يبقى الرهان عليكم وعلى صمودكم وثباتكم، وتنعقد الآمال على الاستمرار في ثورتكم، وعبر وعيكم بإسلامكم ودينكم، قاطعتم مسرحيّة انتخابات الكيان الخليفيّ، وأخليتم صناديقه المزيّفة، فلكم كلّ شكري وتقديري سنّة وشيعة على وعيكم السياسي وبصيرتكم النافذة حينما تمسّكتم بخيار المقاطعة لتعبّروا عن رفضكم للغة التعنّت والاستبداد، وذهبتم إلى التوقيع على العريضة الشعبيّة تمسّكًا بحقكّم في تقرير مصيركم من خلال تشكيل مجلس تأسيسي يأخذ على عاتقه كتابة دستور جديد يكون فيه الشعبمصدر السلطات، ويحقّق العدالة الاجتماعيّة في البلاد التي تحفظ مقدراتها وخيراتها من الاستحواذ.
في الختام.. أتوجّه بالدعوة لجميع قوى المعارضة السياسيّة والثوريّة إلى المزيد من رصّ الصفوف والتماسك والوحدة، وأحث جماهيرنا المقاومة على الالتزام بالقيادة الحكيمة والحريصة على الإسلام، وعلى مصلحة الشعب، فإن الالتفاف حولها، وجعل القرار الأخير قرارها، هو قوّة للدين، وإسقاط لكلّ الأهداف الشيطانيّة التي يسعى إليها الكيان الخليفيّ وداعموه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، ورحم الله شهداءنا الأبرار.
رئيس مجلس شورى ائتلاف 14 فبراير
الإثنين 17 ديسمبر/كانون الأول 2018 م