هي قصّة يروي أحداثها من عاشها، لحظات حاسمة لخّصت مسيرة جهاد وختمت بالشهادة، لترتقي أرواح أبت أن تعيش ذليلة.
هي تفاصيل معركة الحقّ ضدّ الظلم، نقلتها شبكة «ثوّار النمر» عمّن كُتبت لهم النجاة من هجوم حي الكويكب الذي استشهد فيه ثلاثة شبّان.
«يوم الأربعاء ١٦من شهر محرّم الحرام عام ١٤٤٠هـ، وعند الساعة ١٢:٠٣ مساء، كنّا في منزل في حيّ الكويكب في القطيف، ما بين راكع وساجد وقارئ للقرآن ومتعبّد، فإذا بدويّ انفجار عند الباب سببه هجوم مباغت من قوّات العدو المتمركزة في أعلى المباني المحيطة والشوارع من حولنا، حيث حاصرتنا بطوق محكم استحال معه الخروج، وخاصّة مع وابل قذائف الـ(آر بي جي) التي كانت تستهدفنا بكثافة.
لحظات قبل أن تبدأ رصاصات العدو تهطل علينا هطول المطر؛ أصيب «الشهيد مفيد العلوان» في خاصرته ورجله وهو يصلّي، ثمّ أصيب «الشهيد خليل المسلم» في كتفه، وانقسم الباقي منّا إلى قسمين: قسم يطبّب جراحات الجرحى ويعمل على نقلهم الى مكان آمن، وقسم يقاتل، نعم رفضنا الاستسلام، كنّا نلبّي نداء أبي عبد الله الحسين «ع»، امتشقنا أسلحتنا وتهيّأنا لاستقبال الشهادة.
في هذا الوقت كان «الشهيد محمد آل زايد» يرافق الشهيدين مفيد وخليل، غير أنّ العدوّ كشفه فصار تحت مرمى نيرانه، ومزّقت رصاصاته جسده الشريف حتى استشهد في مشهد واسى فيه علي الأكبر شبيه رسول الله «ص» الذي قطّعوا أوصاله في كربلاء، ليصبح شاهدًا وشهيدًا على إجرام يزيد هذا العصر في أبناء من قال «هيهات منّا الذلّة».
كنّا كلّنا من الشباب المطارد الذي اختار إمّا الكرامة أو الشهادة؛ إذ لا عار في الموت إنّما العار في الاستسلام، أخذت أتأمّل وجوه رفاق الدرب فإذا بها تعلوها ابتسامة العاشق عندما يرفع عنه الحجاب الذي يحجبه عن محبوبه، ويرى بعين القلب رؤية من اشتاقت إليه الجنان، لم يهنوا فالشهادة عشق للمقاومين ليستمرّوا، ولم ترتعش أيديهم التي ترمي أعداء الحقّ وعشّاق الظلم، وعلى الرغم من قلّة عددنا وسقوط الجرحى بيننا، قرّرنا أن نقاتل حتى الرمق الأخير؛ لنكون فخرًا لأهلنا وأحبّتنا، ولنكون مدرسة للثائرين من بعدنا.
وما بين الطلقات التي كنّا نرميها، كان أحد المجاهدين يدعو ربّه، وأخر يعدّ الرصاصات المتبّقية، ودخان القذائف الكثيف يملأ المكان، حينها أدركنا أن لا مناص من المواجهة… وقرّرنا تغيير اللعبة، وتسييرها وفق قواعدنا: «مهاجمة العدوّ»، فتبدّلت الأدوار، وخرجنا من المنزل واشتبكنا مع العدوّ ومرتزقته، وعلى الرغم من الفرق الشاسع بين سلاحنا وعددنا وأسلحتهم وعددهم، فقد تقهقروا وفرّوا فرار العبيد.
ثلاث ساعات من الاشتباكات الحامية ولم يستطيعوا دخول مخبئنا، مع أنّهم اعتمدوا على عنصر المفاجأة الذي أعدّوا له العدد والعدّة.
قاتلناهم قتال الحسينيّين العاشقين للشهادة، وقد ولّت قوّاتهم هاربة خائفة على الرغم من تفوّقها، إذ كنّا في بادئ الأمر نظنّ أنّها ستكون آخر معاركنا معهم، لكنّ الله قدّر ولطف، ونصرنا على عدونا لنحكي ما حدث لنا في ذلك اليوم، اليوم الذي سقط فيه الشهداء السعداء «مفيد آل علوان، وخليل آل مسلم، ومحمد آل زايد».