لعلّك حين تسأل عن المقاومة في لبنان خلال فترة اندلاع الثورة الاسلامية الايرانية، تلامس مدى التأثر الذي كان يعمّ الشباب الملتزم. ذلك أنّ المقاومة بدت في أوجّ استعدادها لمناهضة المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة ولازالت حتى اليوم. فكان الإمام الخميني رمز هذه الثورة.
حيثُ دعمها روحيًا ومعنويًا، ليكسر شوكة الاستكبار في ايران والعالم. ويعلن بكلّ شجاعة أنّ المقاومة بإرادتها وايمانها قادرة على تحقيق النصر.
من يستذكر الثورة والإمام يحفظ جيّدًا الأناشيد الثورية آنذاك. 'خمينيون لن نركع'، 'خميني إنا لك الاوفياء'، 'نحن بركان تفجر' وغيرها، بثّت فيهم روح القتال، وأظهرت مدى التأسي بقائد الثورة الذي لم يغب عن كلمات هذه الأناشيد. التأثر الذي بدا واضحًا على الصعيد الفكري والثقافي، بدا جليًا أيضًا على الصعيد السياسي والعسكري، ليخلّد بذلك رجلاً أسطورة من الرجال المؤمنين المقاومين.
على الصعيد الفكري والثقافي
لقد أيقظ الإمام الخميني (قدس سرّه) الوعي في نفوس الناس أنذاك. وأعطاهم حسًا بالاندفاع نحو التحرر. معتمدًا على مبدأ التوكّل على اللّه، رغم قلّة الامكانيات بمواجهة حكم الشاه الطاغي. فقال: 'تكليفكم أن تقاوموا، وأن تقاتلوا اسرائيل، و لو كان عددكم قليلاً وإمكاناتكم ضعيفة. اتكلوا على الله وثقوا بالله سبحانه وتعالى والله ناصركم، والنصر معقود في جبينكم.' وبذلك أثبت أنّ بالإيمان والارادة تستطيع الشعوب أن تنتصر. وهذا ما ترجمته المقاومة الاسلامية في لبنان التي نجحت في الحاق الهزيمة بالجيش الاسرائيلي 'الذي لا يقهر'.
كذلك أحيا في الناس ثقافة الحياة الكريمة التي يرفض فيها الإنسان الذل والهوان، 'وأحيا قيم التضحية والعطاء والجود بالنفس والأهل والمال حتي الشهادة في سبيل قضايا أمتنا وفي سبيل قضايانا المقدسة.' وهذا ما أكّده الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حين قال في إحدي خطاباته 'لقد أحيا الإمام الخميني (قده) فينا ثقافة نصرة المظلومين والمستضعفين.. وأحيا في البشرية كل القيم المعنوية والإيمانية المتصلة بالعلاقة مع الله تعالى..وأحيا فينا ثقافة الثقة بأنفسنا بعد الثقة بالله سبحانه وتعالى.'
والملفت بأن الإمام الخميني (قدس سره) لم يؤثر بالمسلمين وحسب، بل بمختلف الناس. فلم يميز قط بين المظلومين من الديانات كافّة، بل أكّد على الوحدة. وكان يخاطب شتى الشعوب المستضعفة، ويحمّل مسؤولية الظلم والجوع والفقر للحكام المستبدين، مشددا على أهمية الثورة.
وهذا ما بينته مواقف العديد من الشخصيات المهمة، منهم ممثل المسيحيين الفلسطينيين في ايطاليا الاسقف كابوتشي الذي قال 'كان الإمام أبًا لمستضعفي العالم. إنه زعيم روحي، وقائد سياسي، ديني عظيم.. لقد كان انتصار ايران على القوى العظمى في العالم، نتيجةً للإيمان القوي للشعب بالله وقيادة الإمام الخميني (قده).' كما وقال فيه زعيم الاتحاد السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف ' كان -الامام- يفكر أوسع من الزمن ولم يكن يتسع له بعد المكان. لقد استطاع أن يترك أثرًا عظيما في تاريخ العالم.'
على الصعيد السياسي والعسكري
لقد دعم الإمام الحركات المناهضة للظلم، لاسيما المقاومة الاسلامية في لبنان. فتلقت المقاومة هذا الدعم عسكريا وسياسيا وماليًا. وهذا السند كان لا بدّ له لاستمرار في واجبها الجهادي. فتمددت سياسة مواجهة المشروع الأمريكي في العالم، دفاعا عن لبنان ولتحرير فلسطين.
وعلى الرغم من مرور تسعة وعشرين عامًا على رحيل الامام، لازالت أفكاره حاضرة بقوة في كل مفاصل الحياة الفكرية والدينية والسياسية في العالم. الذي لايزال يعيش نتائج ثورته، وبالتالي فإن رحيله أفقد الأخير قائدًا دينيًا وثوريًا عظيمًا جدًا.