تلك الساعات الطوال التي أقضيها وحدي هائمًا على أرض وطني، لا يؤنسني فيها غير قلمي وأوراقي، أبثّ فيها حياتي كلمات تمحيها الدموع حينًا، وتثبّتها الضحكات حينًا آخر.
يختلط نهاري بليلي، لا أكاد أمكث في مكان واحد، أظلّ أتنقّل وعلى ظهري حقيبة فيها بعض الحاجيّات وقرآن وسبحة هديّة من أمي.
يظلّلني أيّام الحرّ الشديد شجرة نخيل، أو جدار مهدّم في مزرعة مهجورة، أو مجرّد قبّعة، والشمس على قسوتها أحنّ عليّ من ظلم حاكم مستبدّ.
لا أهاب الاعتقال، ولا يخيفني التعذيب، ولا يرهبني الجلّاد، ولكن كلّ دقيقة أقضيها حرًّا أقيّد عدوّي بها، فأنا أشعل ليله نار غضب، لا أريحه وهو في عقر داري، داري وأرضي ووطني أفديهم بروحي وترخص لهم حياتي.
أجول ليلًا بين البيوت لعلّي أسمع صوت أمي تدعو لي، وأستند إلى جدار غرفتها فأمدّ يدي لأكفكف دمعها وإن لم تصل إلى خدّها، وسرعان ما أغادر قبل أن أدقّ الباب.
وأعود إلى لا مكان، أمشي في درب لا أعلم منتهاه، ولكن أسير فيه على خطى شهيد أو أسير أو مهاجر، وأكمل دورة حياتي حتى يأذن الله في أمري.
بقلم أم حوراء