منذ سنوات، امتهن حاكم جائر القتل أبًا عن جدّ، حتى صار يتفنّن بإخفاء آثاره بعد كلّ جريمة،حاول كتم كلّ صوت همس ضدّه، وسعى لسحق كلّ من رفع شعار القصاص من القاتل.
كلّ جسد رحل مغسّلًا بدمائه الطاهرة المراقة داخل سراديب التحقيق، ومغارات طمس الهوية، فضاقت الناس ذرعًا ولم يعد هناك مجال للخوف أو التراجع.
لم تعد الدموع تكبت كما السابق، بل صارت تذرف مع صرخات تملأ الكون صدى يهزّ قصور القتلة.
أدرك القاتل أنّ سياسة تكميم الأفواه لم تعد تنفع، فاتخذ القتل في الطرقات والأزقة واحتجاز الجثث أسلوبًا جديدًا.
لكن الرجال الأبطال لم يطب لهم المكوث في المنازل، ولا التباكي على الدم المراق، بل وجدوا في حمل النعوش قوّة تعيد رصّ الصفوف، والوقوف أمام زمرة آل خليفة مطلبًا لا تراجع عنه.
في 23 فبراير 2014 انطلق موكب ختام فاتحة الشهيد القائد السيّد علي الموسوي، حشود كبيرة كانت تهتف بالقصاص من القتلة، وتطالب بسقوط رأس الإجرام، وصور الديكتاتور تداس تحت الأقدام، فهرعت عصابات المرتزقة إلى إيقاف المشيّعين عن الهتافات، مطلقة الرصاص، والغازات السامّة، ليصاب الشاب عبد العزيز العبّار بعبوة غاز مسيّل للدموع، وتتناثر رصاصات الشوزن في رأسه، ما أدى إلى دخوله بغيبوبة.
نبض الشارع لم يهدأ على وقع نبض الأم التي انتظرت أن تثكل، فعمّت المسيرات والتظاهرات الحاشدة مناطق البحرين تطالب الكيان الخليفيّ باعترافه بالقتل العلنيّ، فجسد العبّار ممدّد يخضع للعلاج، لكنّ قلبه أبى إلّا أن يتوقّف معلنًا نهاية رحلة طالت لتختتم بالشهادة، 52 يومًا والشهيد مقيّد في فراش المستشفى حتى تحرّر والتحق بقافلة شهداء الثورة.
ولم تكن هذه إلا محطة قبل مواراة الثرى، فأهل الشهيد رفضوا أن يتسلّموا جثّته قبل اعتراف القتلة بجريمتهم التي كانوا يتنصلون منها، فظلّ جسده محتجزًا لأشهر قبل أن ينتصر لحقّه وختم على شهادة وفاته: سبب الوفاة إصابة برصاص الشوزن.
وبعد أكثر من شهرين ونصف شيّع آلاف الأحرار في السنابس جثمان الشهيد، غير آبهين بقمع مرتزقة الخليفيّ الهمجيّة، ففي كلّ واحد منهم كان عبد العزيز يصرخ آخذًا بثأره.