بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ كما هو أهلُه ومستحقُّه بعددِ ما أحاط به علمُه وأحاط به كتابُه، والصلاةُ والسلامُ على أشرف خلقِه محمّد وعلى آلِه الطيّبينَ الطاهرين.
عظّم الله لنا ولكم الأجرَ وأحسنَ العزاءَ بمصابِ سيّدِ الشهداءِ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ذاك المصابُ الذي بكت له السمواتُ والأرضون، وبكى له ناموسُ الدهرِ وإمامُ العصرِ بدل الدموعِ دمًا، مصابٌ عظيمٌ ما أعظمَه وأعظمَ رزيّتَه في الإسلام.
إنّ يومَ عاشوراء لم يكن يومًا كباقي أيّ يومٍ من الدهر، فهو يومٌ تجسّد فيه كلُّ العشقِ الإلهيِ والذوبانِ الربانيّ، وتجلّت فيه أرقى صورِ التضحيةِ والفداءِ من أجل الدينِ وحفظه، فعاشوراءُ ليست معركةَ ساعاتٍ إنّما هي مدرسةٌ خالدةٌ قدّمت أروعَ الدروسِ الإلهيّة، وأغنت البشريّةَ جمعاء بالقيمِ والأخلاقِ الحميدة، حتى صارت نبراسًا لكلّ المسلمين وخصوصًا أتباعِ أهل البيت (عليهم السلام) ومعينًا صافيًا لكلّ الأحرار، من هنا وإذ نستقبلُ ذكرى جديدةً لملحمةِ العشقِ هذه لا بدّ لنا من أن نقفَ عند أهمِ أبعادِها التاريخيّةِ التي تتركُ بصمتُها جليّةً على ثورتِنا المجيدة، عبر رسائلَ نوجهُها في ائتلافِ شباب ثورة 14 فبراير لشعبِنا الصامد حفاظًا على استمراريّةِ إحيائِها، وترسيخِ آثارِها وأبعادِها وقيمِها.
رسالتُنا الأولى لشعبِنا الحسينيِّ المقدام:
يا شعبَ الإباء، ويا شبابَ المقاومة، إنّنا في مرحلة تحدّياتٍ كبيرةٍ يعمد فيها الغرب، مباشرة أو غير مباشرة عبر الأنظمةِ الإرهابيّةِ والدكتاتوريّةِ العميلة، إلى نشرِ الفسادِ وتركيزِ الإرهابِ، لطمسِ معالمِ الدين، وخلقِ الفوضى في المجتمعاتِ والعالمِ الاسلاميّ، والقضاءِ على روحِ المقاومة؛ لذا لا بدّ لنا من مواجهة هذه التحدّياتِ وإسقاطِ المشاريعِ التدميريّةِ والأنظمةِ الدكتاتوريّةِ منشأِ الإرهاب، بعزمٍ لا يلين، وشجاعةٍ تتحدى آلةَ بطشِ الظالمين، وأن نحملَ نفسًا مطمئنةً بنصرٍ قريبٍ من عند الله، ونتحلّى بروحٍ جهاديّةٍ ترخص فيها الدماء ما دمنا على حقّ، نصرةً لدين الله القويم.
ومن سبلِ المقاومةِ هي مواصلة ثورتُنا المجيدة التي انطلقت بزخم حسينيّ أن لا للحاكمِ الظالمِ، فيا شعبَ التضحية والفداء، لنستمرَّ في ثورتِنا عن فقهٍ ووعيٍ وبصيرةٍ، وصلابةِ إيمان، كما كان أبطالُ كربلاء، ولنا أن نستذكر كلمة قالها علي الأكبر شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خاطب الإمام الحُسين ( ع ) ..
"يا أبتَ، ألَسنا على الحق"؟ فقال(ع): "بلى، والذي إليه مَرجِع العباد". فقال علي الأكبر(ع): "إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا".
يا شعب البحرين الصامد المقاوم، لتكن انطلاقتُنا إيمانيّةً في ساحات الجهاد، وتسليمُنا مطلقًا للقيادةِ المقتدية بسيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا بدّ من أن تكون لدينا البصيرةُ النافذة، وأن نمتلكَ فقهًا ووعيًا بقضيّتِنا وثورتِنا، وأن تترسّخَ قناعتُنا بصوابيّةِ عملِنا، بحيث تدعونا إلى التمسّك بقيمنا ومبادئنا وحقوقِنا المشروعة، والابتعادِ عن زخارف الدنيا ومغرياتها وكماليِاتها، بل الابتعاد عن كلِّ ما يوجبُ قوّةَ خصمِنا،والحرص كلّ الحرص على وحدة الصفّ ونبذ الفرقة والتشرذم.
الرسالة الثانية لحرائرِ ثورتِنا: إنّ الدراسةَ المتأنّيةَ للثورةِ الحسينيّةِ تقتضي أن نقول إنّها لم تكن عشوائيّة، بل خُطط لها من جميعِ الأبعاد والجهات، فكانت مكتملةَ الأركان، وممّا لا ينبغي أن نغفل عنه، وهو ركنٌ من أركانها، الدورُ المهمُ والمؤثرُ في واقعةِ عاشوراءِ لنساء صدحن بالحقّ وأمرن بالمعروف ونهين عن المنكر، فكان منهنّ من قاتلت إلى جانب الأصحاب، ومن داوت الجرحى، واهتمت بالأطفال، وكنّ صابرات على هول المصابِ وفقدِ الأحبّة، ومنظرِ الأجساد والرؤوس، كلُّ ذلك إيمانٌ منهنّ بأحقيّةِ القضيّةِ ووجوبِ الجهاد والنضال من أجلها، سائراتٍ وراء السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) التي استطاعت بحقّ أن تكملَ المسيرةَ الحسينيّةَ، فسعت جاهدةً إلى تحقيقِ هدفِ الإمام الحسين ورفعتْ شعارَ (هيهات منا الذلة) منذ عصر عاشوراء، حتى دخولِها المدينة، وجسّدتِ التربيةَ الحقةَ لأمِها الزهراء (عليها السلام) في عفّتِها وطهارتِها ونطقِها بالكلمات البليغة التي عرّت بها يزيد بن معاوية وفضحته، وذلك يتجسّد بأجمل صورة عندنا في البحرين حين تنطق أمّهات شهدائنا بكلام زينب وهنّ يقفن على أجسادِ أبنائهنّ: "ما رأيت إلا جميلا"، نعم، القتلُ في سبيلِ الإسلام، ونصرةِ الدين هو جميلٌ، لأنّ نتيجتَه لقاءُ الجمال المطلق وهو الله سبحانه وتعالى، من هنا يحدونا الأملُ بأنّ المرأةَ البحرانيّةَ لن تغفلَ عن دورِها الرساليِّ والتوعويِ مقتديةً بالسيدة زينب (عليها السلام) في الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضحِ جرائمِ الديكتاتور حمد وجلاوزته.
الرسالة الثالثة لإعلاءِ شأنِ العلماء وتقديرهم: فعاشوراءُ هذا العامَ تأتي والفقيهُ القائدُ آيةُ اللهِ قاسمُ محاصرٌ في الدراز، وقد طوّق يزيد العصر منزلَهُ بالآليات العسكريّة، فيما يرزح العديدُ من العلماءِ الفضلاء والرموزِ القادة في السجون، في تخطيطٍ يزيدي لفصلِ المجتمعِ عن قيادتهِ وعلمائِه ورموزِه، فحريٌ بنا ونحنُ نُحيي عاشوراءَ هذا العام، أن نجعلَ لهم حضورًا معنويًّا في مآتمِنا ومواكبِنا، وأن تكونَ كلماتُهم ومواقفُهم حاضرةً في مجالسِنا العاشورائيّة.
الرسالة الرابعة: رسالة اعتزازٍ للمعتقلينَ السياسيّينَ الصامدينَ في السجونِ والمضربينَ عن الطعام، فهم الذين آلوا على أنفسِهم إلا أن يواجهوا يزيدَ عصرِهم حتى وإن كانت الأغلالُ قد اشتدّت على معاصمِهم، فالسجنُ اليزيديُّ وقيودُه لم تفلح أبدًا في قتل الروح العاشورائيّة المتوهّجة في نفوسِ هؤلاء الثوّار، وهم الذين نهلوا من مدرسةِ كربلاء كيف يصبرون على الجوع والعطش، وكيف يكون شعارُهم في معركة الحُريّة والكرامة "لبيّك يا حُسين".
الرسالة الخامسة إلى جرحى ثورتنا والمطاردين:
يكفيكم أيّها الجرحى الأحبّة أنّ لكم بشارة من رسول الله (ص) في قوله: "من جرحَ في سبيلِ الله جاء يوم القيامة، ريحُه كريحِ المسك، ولونُه كلونِ الزعفران، عليه طابع الشهداء"، فأنتم الشهداءُ الأحياءُ، الصابرونَ الصامدونَ الفائزونَ بما صبرتم،وأنتم أيّها المطاردون بلا مأوى، تتحملونَ حرَّ الصيف وبردَ الشتاء، لكم أسوة بسفير الحسين للكوفة مسلم بن عقيل، فأنتم الجنودُ الحقيقيّون لثورتِنا، وبصمودكم تتجلى آيات النصر.
ختامًا: ونحنُ نستقبلُ موسمَ عاشوراء 1439هـ، ونُحيي تلك الثورةَ العظيمةَ التي قادها الإمام الحُسين ببصيرةٍ وحققَ ما خطط له من أهداف، نُشدّدُ على أهميّةِ عدم إفراغ هذه الثورة من محتواها، بل علينا أن نحافظَ عليها ونرسخَ آثارَها وأبعادَها وما تحويه من رسائلَ ودروسٍ في النفوس والقلوب، وأن ننهلَ من نبعِها وفيضِها العاشورائيّ العِبر التي تزيدنا وعيًا إلى وعينا، وصمودًا إلى صمودِنا، ومقاومةً إلى مقاومتنا، وألا نخرجَ من فيوضاتِ موسم عاشوراء إلا ونحن مهيؤونَ نفسيًّا وفكريًّا وعمليًّا لتطبيقِ دروسِ الشجاعة والإيثارِ والاستقامةِ التي جسدها الإمام الحسين وأنصارِه بأرقى معانيها وتجلياتها في ملحمة كربلاء.
صادر عن: ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير
الجمعة 22 سبتمبر/أيلول 2017 م – 1 محرم الحرام 1439 هـ
البحرين المحتلة