«عيد الشهداء» هذا العام، الذي صادف يوم الخميس 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 2015، شكّل انطلاقة جديدة وزخمًا للحراك الثوريّ، إذ تجلّت فيه أروع مظاهر اللحمة الوطنيّة بين أبناء الشعب البحرانيّ الأبيّ وقواه الثوريّة الحيّة.
فالقوى الثوريّة المعارضة كانت قد أصدرت دعوات للجماهير الثوريّة للمشاركة الواسعة في فعاليّات هذا اليوم، ضمن ثلاث جولات أصدرت حولها تعليمات وتوجيهات تباعًا توضح نوعها ومكانها.
أمّا الشعب، فلم يتوان عن تلبية نداء الواجب الوطنيّ تجاه من ضحّوا بأرواحهم لأجله، واحتفى بـ «عيد الشهداء» بمختلف أطيافه، شيبًا وشبابًا ونساءً وحتى أطفال، حيث دبّت الحياة، من خلال الفعاليّات، في أوصال المدن والبلدات البحرانيّة على وقع خطاهم وصرخاتهم، منذ فجر يوم الخميس، وحتّى ساعات متأخّرة من ليله.
باكورة جولات فعاليّات «عيد الشهداء» افتتحتها عاصمة الثورة «سترة» الأبيّة مع خيوط الفجر الأولى، حيث نفّذ ثوّارها الأبطال تحرّكًا ثوريًّا محكمًا، سيطروا من خلاله على الشارع العام المؤدّي إلى المنطقة الصناعيّة المهمّة، مشعلين نيران القصاص وسطه.
من جانبهم قام أهالي بلدات المعامير، والعكر، وسار، المرخ، والمقشع وغيرها من البلدات، بزيارة رياض الشهداء التي تزيّنت بالورود والريحان، احتفاء بالعيد، تحت شعار «لن ننساكم» حيث جدّدوا لهم العهد بإكمال مسيرتهم الجهاديّة التي ضحوا فيها بأرواحهم من أجل الوطن، متمسّكين بحقّ القصاص من قتلتهم.
وتحت شعار «شهداؤنا سرّ صمودنا»، انطلق البحرانيّون رجالًا ونساء وأطفالًا في 3 جولات من التظاهرات الحاشدة والحراك الثوريّ.
الجولة الأولى من التظاهرات بدأت بعد صلاة الظهرين في عاصمة الفن الثوريّ باربار، والجفير، وسفالة، حيث تقدّمت المتظاهرين اليافطات التي تحوي عبارة «نحتفي بعيد الشهداء ونتمسّك بالقصاص»، وجابوا أرجاء البلدات وهم يحملون صور الشهداء، وينادون بحقّ القصاص من قتلتهم، مجدّدين لهم العهد والوفاء في عيدهم، كما داسوا بأقدامهم صور الديكتاتور حمد بن عيسى التي ألصقت على شوارع البلدات مع العلم البريطانيّ.
وتزامنًا مع زيارات رياض الشهداء والتظاهرات الشعبيّة، نفّذ فرسان الميادين في مختلف مناطق البحرين حراكًا ثوريًّا، كان تهيئة لباقي فعاليّات «عيد الشهداء»، ففي أرض الفخر والفخار عالي، خطّ اسم الديكتاتور حمد على الشوارع ليكون مداسًا للأقدام وعجلات المركبات، وكانت السهلة الجنوبيّة قد سبقتها في ذلك حيث اقتحمتها عصابات المرتزقة لتعمل على مسح اسم هذا المجرم عن الطرقات.
ثوّار سفالة، ومهزّة، وواديان في عاصمة الثورة سترة أطلقوا «صرخة القصاص» ضمن أجواء الاحتفاء الشعبيّ بالعيد، في وقت قام فرسان الميادين في بلدة الدير برفع أعمدة الغضب خلف مطار البحرين الدوليّ وفي السهلة الجنوبيّة رفعوها بمحاذاة خطّ النار، كما رفعوها أيضًا في توبلي، إلى جانب ذلك سيطر الأبطال في المقشع وكرزكان وإسكان سلماباد على الشوارع العامّة في بلداتهم، أمام إرباك عصابات المرتزقة وعجزها.
الجولة الثانية انطلقت عصرًا من بلدات أبو قوّة، المالكيّة، أرض الفخر والفخار عالي، السنابس، المصلّى، قلب الثورة بني جمرة وشهدت صمودًا لثوّار البحرين في الساحات واستعدادًا للجولة الثالثة والأخيرة.
وقد رفع المتظاهرون صور الشهداء وأعلام البحرين، وكان بينهم حضور نسويّ مميّز، وجابوا أرجاء البلدات رافعين نداء القصاص من قتلة الشهداء، معاهدين إيّاهم على إكمال الثورة حتى تحقيق أهدافها التي من أجلها سقطوا.
في الجولة الأخيرة، والتي انطلقت مساء، بلغ الحراك الثوريّ والتظاهرات الحاشدة أشّدهم في بلدات: مقابة، المقشع، المرخ، توبلي، البلاد القديم، كرّانة، شهركان، سند، المعامير، بوري، صدد، سترة، شهركان، والعاصمة المنامة، حيث جابت هذه التظاهرات الحاشدة أرجاء البلدات، تتقدّمها اليافطات الخاصة بعيد الشهداء، وحمل فيها المتظاهرون الأعلام البحرينيّة، وصور الشهداء، بمشاركة حاشدة من حرائر الثورة، كما داسوا في بعض البلدات صور الديكتاتور حمد، وصدحت حناجرهم بالشعارات المطالبة بحقّ القصاص من قتلة الشهداء، مجدّدين العهد لهم، ومتمسّكين بأهداف الثورة.
وتزامنًا مع هذه التظاهرات اشتعلت الميادين والشوارع، حيث أقدم الثوّار الأبطال، الذين ما وهنوا خلال الجولتين السابقتين، على السيطرة، بنيران الغضب والقصاص، على شارع زايد الحيوّي بأرض الفخر والفخار عالي حيث وقفت عصابات المرتزقة عاجزة أمام صمودهم، فأغلق الشارع وشلّت الحركة فيه، ولم يكن الشارع التجاريّ في جدعلي والنعيم بأفضل حال من شارع زايد، حيث خضع بدوره لسواعد الأبطال.
نيران القصاص اشتعلت أيضًا في شارع خطّ النار في الصالحيّة، وشارع الحيّ الفندقيّ من عدّة محاور في بلدة الجفير، وشارع الشهيد المقاوم أحمد فرحان في عاصمة الثورة سترة، وفي البلاد القديم تصدّى أسود الثورة بشجاعة لعصابات المرتزقة، أمّا أسياد النزال في الدير فقد نزلوا إلى الساحات مواجهين بشجاعة عصابات الكيان الخليفيّ.
في السياق نفسه، أطلقت بلدة القرية في عاصمة الثورة سترة، والدراز، وإسكان عالي صرخات الغضب ضمن أجواء الاحتفاء الشعبيّ بعيد الشهداء.
إلى جانب ذلك قام الثوّار بزيارة روضة الشهيد أحمد العرنوط الرمزيّة في توبلي، حيث أضاؤوا شموع الشهادة.
السنابس والجفير كان لهما طريقة خاصة في الاحتفاء بعيد الشهداء، ففي السنابس، إلى جانب التظاهرات الغاضبة والحراك الثوريّ، ومواجهة عصابات المرتزقة التي اقتحمت البلدة وهاجمت المتظاهرين بالغازات السامة والخانقة التي انتشرت بكثافة وسط الأحياء السكنيّة، قام الثوّار ليلًا بالنزول إلى الساحات بزخمٍ ثوريّ متصاعد، وأغلقت المحال التجاريّة، لتضيء الشموع شوارع البلدة بمنظر إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على شعلة الأمل التي ما زالت وقّادة في نفوس البحرانيّين.
أمّا في الجفير فقد احتفت حرائرها بشكل خاص بـ «عيد الشهداء»، عبر إقامة احتفال تميّز بتجهيزات فنيّة متعدّدة، وفقرات متنوّعة، كان من بينها كلمة لوالدة الشهيد محمود الجزيري، ألقتها أمام حشد كبير من الحرائر، وبمشاركة خاصّة من أمّهات الشهداء.
وفي السياق نفسه، قام أهالي عاصمة الثورة سترة بزيارات تكريميّة لعوائل الشهداء الصامدة، حيث قدّموا لها باقات العزّة ودرع الإباء.
انتهى يوم مفصليّ من الجهاد والنضال، أحياه البحرانيّون بلا كلل أو ملل، مجدّدين عهدهم للشهداء الأبرار بالمضي قدمًا بالثورة دون وهن أو ضعف حتى تحقيق أهدافها التي من أجلها ارتقوا إلى بارئهم..ولم تنته المسيرة.