أربعة وأربعون عامًا مضوا على استقلال البحرين عن الاستعمار البريطانيّ، الذي غادرها مكرهًا على مضض، لكنّ الشعب وقتها قال كلمته، أنّه يرفض أيّ احتلال أجنبيّ لأرضه.
غادر البريطانيّ بعد تمكينه آل خليفة في الحكم، حلفاءه المخلصين، لضمان بقاء سلطته ونفوذه في البحرين من خلالهم، فإضافة إلى المعاهدات والاتفاقيّات والمشورات السياسيّة بينهما، عمد آل خليفة إلى الاحتفال بعيد البحرين الوطنيّ بتاريخ 16 ديسمبر/ كانون الأوّل من كلّ سنة، وهو اليوم الذي جلس فيه والد الديكتاتور حمد أميرًا على عرش البلاد، في حين حذفوا يوم 14 أغسطس، وهو يوم رحيل المستعمر البريطانيّ عن البحرين، من التاريخ.
اليوم، أثبت البحرانيّون إخلاصهم لنضال أجدادهم عبر إحيائهم هذا اليوم باستحقاق تاريخيّ، ألا وهو الزحف إلى ميدان الشهداء، دوّار اللؤلؤة، الذي هدمه آل خليفة إبّان اندلاع ثورة 14 فبراير التي انطلقت منه وارتبطت به.
فمنذ انبلاج فجر هذا اليوم التاريخيّ، توجّه البحرانيّون إلى المناطق القريبة من «ميدان الشهداء»، لينتظروا فيها إعلان الصفر، وقد فتح أهالي هذه المناطق بيوتهم للوافدين، وأقيمت الصلاة جماعة بإمامة شيخ المجاهدين الجدحفصي، ومدّت موائد الكرم والضيافة، بحضور أولياء الدم، آباء الشهداء وأسرهم، ومجموعة من النشطاء الحقوقيّين والسياسيّين.
عند الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الجمعة، أعلن عن ساعة الصفر، فشدّ البحرانيّون رحالهم، بعزيمة وثبات، متوجّهين إلى ميدان الشهداء من أكثر من محور، متحدّين عنجهيّة العدوّ الخليفيّ، غير مبالين بنقاط التفتيش الكثيرة التي لم تتمكّن أصلًا من الحؤول دون وصولهم إلى المناطق القريبة، وبشعارات «يسقط حمد»، تقدّم الثوّار، والحرائر، والشيوخ، والأطفال، في مواجهة آلة القمع الخليفيّة، حيث لم يتوان المرتزقة عن إطلاق الغازات السامة والقنابل المسيّلة للدموع وحتى رصاص الشوزن المحرّم دوليًّا على المتظاهرين السلميّين.
مساء يوم 14 أغسطس، نفّذ أبطال الميادين عمليّة ثوريّة بطوليّة سميت باسم الشهيد القائد «عبد الرضا بو حميد»، حيث عمدوا إلى النزول إلى شوارع البحرين الحيويّة، مسيطرين عليها، ومشعلين النيران فيها، فتوقّفت الحركة المروريّة فيها وأصابها شلل مروريّ محكم، وأحكم الفرسان قبضتهم على ميدان القدم، والشوارع المؤدّية إلى تقاطع القدس والسفارة الأمريكيّة، وشارع زايد الحيويّ، وشارع مدينة الزهراء، والشارع العام في الهملة، وشارع الشهيد فاضل مسلم في بلدة الدراز، والشارع العام في بلدة سار.
انتهى يوم 14 أغسطس، ولم ينته الحراك، ولم تنته الثورة، فالشعب أخذ على نفسه عهدًا أن يستمرّ في نضاله، حتى تحرير بلاده من براثن العدوّ الخليفيّ، ويقرّر مصيره بنفسه.