لم تكن هجرة حلف العتوب القبلي لشرق شبه الجزيرة العربية بحادثة عفوية، بل يعتقد الكثير من الباحثين أنها مؤامرة دنيئة من الاستعمار البغيض، ويدل عليه تسلسل الأحداث في المنطقة وكذلك الوثائق المكتوبة والروايات الشعبية الشفهية.
ما قبل العتوب:
سبق أفول شر الاستعمار البرتغالي عام 1602م، تأسيس شركة الهند الشرقية عام 1600م بمرسوم من الملكة اليزابيث الأولى، بسلطات احتكارية على تجارة الهند وجميع مستعمراتها، ثم أصبحت مؤسسة تحكم جميع المستعمرات البريطانية بدعم سياسي وعسكري من بريطانيا.
كانت تجربة الاستعمار البرتغالي الفاشلة، عظيمة الفائدة للمستعمرين الجُدد، فصارت البحرين من أول الأماكن التي اجتذبت اهتمام ممثلي شركة الهند الشرقية في الخليج.
وعلى الرغم من تقديم ممثلي شركة الهند الشرقية لمسؤوليهم اقتراحاً باحتلال البحرين عسكرياً عدة مرات، إلا أن رئاسة الشركة في الهند رفضت ذلك رفضا قاطعا في كل مرة، لما كان لديها من مخطط بعيد الأمد، للسيطرة على الخليج سيطرة كاملة ودائمة، وذلك بزعزعة أمن واستقرار الخليج الذي حرص عليه السكان والحكام طيلة القرون، عبر مساعدة ودعم قطاع الطرق، للهجرة لهذه المنطقة لممارسة القرصنة، والتي ستؤدي لإضعاف أنظمة الحكم المحلية والتجارة البحرية، مما سيسهل عليهم أي مهمة لاحقة؛ وكان منذ ذلك الحين بداية أكثر العصور ظلماً وظلاماً في تأريخ البحرين الحزين. [دليل الخليج، 1270]
هجرة قطاع الطرق:
تثبت جميع الكتابات التأريخية بأن شرق الجزيرة العربية القريبة من مناطق الغوص لصيد اللؤلؤ، والتي تحوي أهم الموانئ التجارية، إضافة لكونها خضراء ذات زرع ونخيل، كانت أغنى مناطق الخليج؛ مما جعلها دوماً محطاً لأطماع شيوخ نجد وامرائها[تأريخ الكويت الحديث،20]. هذا وقد أكثر وكلاء شركة الهند الشرقية الإنگليزية، في تقاريرهم المرسلة من الخليج إلى بومباي ولندن، عن حرص سكان هذه المنطقة على استتاب الأمن في ديارهم، حتى تكون الطرق التجارية فيها تتمتع بالطمأنينة والأمان؛ وهذا ما يمنع السيطرة والاستعمار البريطاني. في هذه الفترة، أي النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، وهي الفترة التي اتجهت فيها أطماع الاستعمار البريطاني للخليج والبحرين، كانت هجرة مجموعة الأسر البدوية التي عُرفت لاحقاً فيما يبدو بالعتوب، والتي لم يتفق الباحثون على نسبها، ولا على سبب قدومها أو الطريق التي سلكوها لتصل بهم للشرق. [تأريخ الكويت الحديث، 21] ولعل ما يذكره مؤرخ البلاط الخليفي حول سبب هجرة خليفة بـ «قصد منها حب الاستقلال والسعي وراء تشييد مملكة يكون هو ملكها» [التحفة النبهانية، 82]، مع الرواية الشفهية لشعوب المنطقة والتي تذكر أن هذه الهجرة كانت أثر تطميع الاستعمار البريطاني لهم، هو ما يفسر كل مراحل المؤامرة.
قبل أول استقرار للعتوب حوالي عام 1716 للميلاد في القَرين [الكويت] التي لم تكن ذات أهمية بالغة يتعرض فيها هؤلاء للطرد، تحفظ ذاكرة الشعوب ثلاث مناطق نزلوا فيها:
الأولى: خور الصبية جنوب البصرة، وقد طُردوا من هذا المكان بناء على أوامر متسلم البصرة، بعد أن مارسوا ضرباً من السطو على القوافل القادمة من البصرة، وكذلك بعد أعمال سلب ونهب قاموا بها في شط العرب.
الثانية: الشواطئ الشرقية للخليج، بعد أن طردتهم القبائل العربية الساكنة في تلك المناطق.
الثالثة: طردهم من قطر، حيث كانت تسكن قبائل آل مسلم. [تأريخ الكويت الحديث، 24]
أما في البحرين، حيث كانت موطن العلماء ومحط الفقهاء، فإننا نعثر على أول وثيقة تأريخية مكتوبة حول علاقة العتوب بالبحرين، حيث يقول العَلامة الشيخ يوسف العصفور في كتابه الفاخر لؤلؤة البحرين:
« وكان مولد أخي الشيخ محمد -مُد في بقائه- سنة 1112 هـ [اي 1700 م]… وفي هذه السنة سارت الواقعة بين الهولة والعتوب حيث أن العتوب عاثوا في البحرين بالفساد ويد الحاكم قاصرة عنهم، فكاتب شيخ الإسلام محمد بن عبدالله ابن ماجد الهولة ليأتوا على العتوب، وجائت طائفة من الهولة ووقع الحرب وانكسرت البلد الى القلعة أكابر وأصاغر حتى كسر الله العتوب» [لؤلؤة البحرين، 425]
ومنذ هذا التأريخ حيث أول وثيقة حفظها التأريخ حول علاقة آل خليفة بالبحرين كقراصنة مفسدين، وحتى أول استقرار دائم لهم فيه كغزاة محتلين، كانت البحرين دائمة التعرض لهجوم العتوب الذين صاروا الآن يجمعون بين قطع الطريق والقرصنة، كما كانت مقاومة شعب البحرين لهم دائمة.
الغزو الخليفي واستيطان القراصنة:
في مطلع العام 1773م، انتقل مرض الطاعون من بغداد للبصرة وبدأ يستفحل فيه بشكل وباء قاتل، مما تسبب في هلاك المئات هلاكا يوميا، ولذلك هرب من البصرة خلق كثير للقطيف والبحرين، وهو ما أدى لانتشار الوباء فيهما ..
نتج عن وباء الطاعون هذا، هلاك ما يقارب المليونين؛ وهو ما أدى لتدمير تجارة البصرة تدميرا شبه كامل ودمارا هائلا في البحرين والقطيف؛ ويعتقد بعض الباحثين أن انتشار هذا الوباء يمكن أن يكون مفتعلاً من قبل الاستعمار كنموذج عملوا به لإضعاف الشعوب، أو أن يكون نتيجة ثانوية لتخريبهم للنظام الاجتماعي والاقتصادي عبر دعم القراصنة واستجلابهم للمنطقة. [راجع: الطب الامبريالي والمجتمعات المحلية]
في هذه الفترة، أي عام 1774م (1188هـ) بعد حوالي عام من انتشار الطاعون الذي أضعف شعوب المنطقة، قام خليفة بن محمد العتبي بتأسيس بلدة الزبارة في أرضٍ سبخة على الشاطئ الشمالي الغربي لقطر.
ولم يكن تأسيس الزبارة كميناء ومركز استقرار للعتوب القراصنة بمعزل عن سائر الحوادث في المنطقة، حيث أن خطط شركة الهند الشرقية كقوة استعمارية تمارس التجارة الاحتكارية بدأت تتضح لشعوب المنطقة، حيث أرسل لاتوش وإبراهام من البصرة إلى مجلس المديرين للشركة النص التالي:
«إننا في بوشهر نتعرض لنفس الضغط الذي نتعرض له في البصرة، فالشيوخ في بوشهر يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شئون التجارة بالميناء، وحتى أن التجار المقيمين بها يرون أن لا طائل من وراء تجارتنا في تلك المدينة»
ولهذا، فان تأسيس الزبارة في هذا الوقت لم يكن محض صدفة، حيث أقيمت العلاقات المباشرة بين ممثلي شركة الهند الشرقية الإنجليزية والعتوب بشكل مُعلن؛ أما البضائع المشحونة لحساب شركة الهند الشرقية من الهند إلى حلب، والتي كانت تُنقل إلى بوشهر والبصرة أولاً، أصبحت تفرغ الآن في الزبارة أو الكويت .. ومنها تحمله قوافل العتوب وحلفائها إلى حلب عبر الطريق الصحراوي، متجنبة البصرة ..
كل ما سبق، من ممارسة العتوب للسطو على تجارة الأهالي، والتحالف مع الاستعمار البريطاني متمثلة في شركة الهند الشرقية أدى لتراكم ثروة هائلة لديها، ساهمت بتوسعة أسطولها الحربي .. والذي يدر المزيد من الثروات عبر القرصنة أو التعاون مع الاستعمار ..
بعد أقل من عقدٍ من وباء الطاعون وهجمات القرصنة، أي في عام 1781م تحالفت قوى المنطقة، وكانت استعداداتهم جارية للقيام بحملة واسعة أزمع تنفيذها شيوخ بوشهر وهرمز العرب، تساعدهم القوات الفارسية وكذلك شيخ القواسم -وهم من العرب أيضاً-، ضد الزبارة والكويت -التي يقطنها العتوب-، غير أن سفنهم لم تتحرك في تلك الحملة؛ وبالرغم من تكرر تلك الاستعدادات في العام التالي إلا أنها لم تنفذ لما تعانيه كل واحدة من تلك القوى من مشاكل داخلية.
اطمأنت شركة الهند الشرقية ومن ورائها الاستعمار البريطاني، وعملائها من القراصنة لعدم قدرة شعوب المنطقة على التصدي لهم، فقام أحمد بن محمد بن خليفة في عام 1782م بمهاجمة جزيرة سترة المعزولة عن سائر المناطق ليلاً، وقاموا بنهب ثروات أهلها بعد مجزرة عظيمة قتلوا فيها الكثير من سكانها .. فكان هذا أول تأريخ استقرارهم في البحرين، وليس بداية الكفاح ضدهم، والذي لن ينتهي إلا بعد إسقاط نظام العصابة.