تحالف القمع والازدهار المزعوم: اتفاقية أمنية جديدة بين البحرين وأمريكا وبريطانيا تعمّق هيمنة الأنظمة الاستبدادية وتُشرعن القمع
في مشهد يعكس استمرار الدعم الغربي الصريح للأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة انضمام الأخيرة إلى ما يُعرف بـ”الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار” (C-SIPA)، وهي اتفاقية وقّعتها البحرين مع واشنطن سابقًا وتوسّعت لتضم لندن في أحدث خطوة ضمن زيارة ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة للعاصمة الأمريكية واشنطن.
الاتفاقية وُقّعت في أجواء احتفالية داخل مقر إقامة ولي العهد في دار الضيافة الرئاسية “بلير هاوس”، بعيدًا عن أعين الشعوب التي ستدفع ثمن ما يُروّج له باعتباره “تكاملًا أمنيًا وتنمويًا”. لكن خلف الشعارات الوردية عن “الازدهار والسلام”، تقف حقائق أكثر قتامة: تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الأنظمة القمعية والدول الغربية الداعمة لها، وتثبيت أركان حكم لا يعترف بحرية التعبير ولا يحتمل وجود معارضة سياسية.
الاتفاقية التي رُوّج لها بأنها “نموذج للتعاون المشترك من أجل السلام”، تأتي في وقت تُغلق فيه الفضاءات السياسية في البحرين بشكل كامل، وتُمنع فيه الجمعيات المعارضة، بينما يقبع المئات من سجناء الرأي في الزنازين، من بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان وقادة سياسيون ونشطاء مدنيون حُكم عليهم بعد محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة.
وفي خطوة أثارت امتعاضًا حقوقيًا واسعًا، لم تتطرّق أي من الأطراف الثلاثة – البحرين وأمريكا وبريطانيا – إلى سجل حقوق الإنسان في البحرين، بل عمدت إلى تمجيد “الاستقرار والأمن”، في لغة طالما استُخدمت لتبرير سياسات البطش والقمع.
ويرى مراقبون أن انضمام بريطانيا إلى هذا التحالف الأمني هو تأكيد إضافي على انخراطها العميق في دعم النظام البحريني، بعد سنوات من تدريب الأجهزة الأمنية، وتوفير الغطاء السياسي للانتهاكات، رغم التقارير الصادرة عن منظمات دولية توثق التعذيب، الاعتقالات التعسفية، وانعدام الحريات الأساسية في البحرين.
كما أن التحالف الثلاثي يأتي في سياق تصاعد التحركات الإقليمية نحو محاور أمنية تهمّش قضايا الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وتهدف إلى تحويل المنطقة إلى سوق مفتوحة للنفوذ العسكري والاستخباراتي، تحت مسميات “التكامل” و”الشراكة”.
وتؤكد جهات حقوقية معارضة أن ما يجري لا يمثل “مصلحة الشعوب”، بل يعكس مصالح النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة، سواء في المنامة أو واشنطن أو لندن. فبينما تُغدَق الاتفاقيات على الأنظمة الاستبدادية، يُقابل الحراك الشعبي بالملاحقة والسجون والتكميم.
إن ما سُمّي باتفاقية “الازدهار” ليس إلا محاولة جديدة لإعادة تشكيل خريطة القمع في المنطقة، بثوب قانوني جديد، وبرعاية غربية تضع مصالحها فوق قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تدّعي الدفاع عنها.
وبينما تُوقّع هذه الاتفاقيات خلف الأبواب المغلقة في واشنطن، تواصل البحرين منع أي مراقب أممي من دخول سجونها، وتمنع بعثات التحقيق، وتُقصي كافة المعارضين من المشهد العام، في ظل صمت دولي مريب وتحالفات أمنية ملوثة بالدم.