يتحوّل العالم سنويًّا في كلّ 26 يونيو/ حزيران إلى مرآة تعكس ألم الإنسانيّة، معلنًا رفضه القاطع للتعذيب والاستبداد في اليوم العالميّ «لمساندة ضحايا التعذيب».
إنّه يوم يُحيي فيه الأحرار ذكرى كلّ من كُسر تحت سياط الطغيان، وكلّ من وقف شامخًا متصدّيًا للظلم، وعلى الرغم من الجراح المفتوحة، يظلّ هذا اليوم وعدًا للضحايا بأنّ العدالة قادمة لا محالة.
البحرين: أرضٌ تحت وطأة التعذيب والقمع
البحرين، تلك الجزيرة التي أُريد لها أن تكون رمزًا للسلام، تحوّلت بفعل وحشيّة النظام إلى مسرحٍ يعجّ بالانتهاكات المهولة لحقوق الإنسان؛ قمع الحريّات السياسيّة والتعذيب الوحشي في السجون أدّيا إلى كسر الأرواح وإخماد أصوات الحريّة. المشاهد المأساويّة التي خلّفها نظام آل خليفة على مدار سنين طغيانهم ليست مجرّد أرقام في سجلّات حقوق الإنسان، بل هي قصص طعن في الكرامة ومحاولة لكسر إرادة الشعب، ولكنّ هذا الشعب، رغم الألم، يرفض الاستسلام.
صمود الشعب: إشراقة الحريّة وسط الظلام
يظهر السجناء السياسيّون وأحرار البحرين وسط هذا الجحيم كنجوم تدلّ على الطريق. لم يرضخوا للظلم، ولم يسمحوا لقسوة السجّان بأن تكسر عزيمتهم. إنّ صمودهم ليس فقط فعل مقاومة، بل رسالة للعالم بأنّ الحريّة تستحقّ التضحية بكلّ شيء، هؤلاء الأبطال يجسّدون معنى الكفاح الحقيقيّ، ويعيدون تعريف البطولة في وجه أقسى الأشكال الممكنة للطغيان.
الفصل المأساوي: بين الألم والتضحيات
كُتب تاريخٌ من الدماء والدموع في البحرين بين عامي 1976 و2024، شهداء الحريّة الذين بلغ عددهم 53 شهيدًا، قُتلوا دفاعًا عن الحقّ والكرامة، اختاروا الموت على أن يعيشوا في ظلال الاستبداد. هؤلاء ليسوا مجرّد أرقام، بل هم أمثلة لما يمكن أن تفعله الإرادة البشريّة في مواجهة الطغيان. تضحياتهم تظلّ نبراسًا لكلّ من يؤمن بأنّ العدالة تستحقّ النضال.
الأرقام تنادي العالم: لا للتجاهل
الأرقام التي تحكي قصّة البحرين لا تستطيع إيصال مدى المأساة الإنسانيّة التي عاشها شعبها، لكنّها تظلّ شاهدًا صامتًا ينادي العالم للانتفاض ضدّ الظلم، تجاهل هذه الأرقام هو خيانة ليس فقط للضحايا بل للإنسانيّة جمعاء. على المجتمع الدوليّ أن يُدرك أنّ الصمت يوازي الجريمة، وأنّ التواطؤ مع الطغاة هو شراكة في القمع.
العدالة.. حلم غير بعيد
إنّ المطالبة بحقوق ضحايا التعذيب ليست مجرّد كلمات تُقال في المؤتمرات؛ إنّها رسالة واضحة بأنّ يوم القصاص قادم لا محالة، فالعدالة، رغم بطء مسيرتها، تحمل وعدًا لكلّ مظلوم بأنّها ستنتصر في النهاية. المجرمون الذين زرعوا الرعب والألم سيواجهون حسابًا تاريخيًّا لن ينساه العالم.
دعوة إلى توحيد الجهود الدوليّة
بات المجتمع الدوليّ في مواجهة هذا الظلم أمام مسؤوليّة أخلاقيّة لا تحتمل المماطلة.
كلّ مؤمن بحقوق الإنسان وكلّ من يؤمن بقيمة الكرامة عليه أن يوحّد جهوده لتكوين جبهة عالميّة لمواجهة الطغيان. البحرين ليست معزولة في نضالها؛ قضيّتها هي قضيّة كلّ إنسان يسعى إلى الحريّة والعدالة.
المقاومة روحٌ لا تنطفئ
تظلّ روح المقاومة قائمة في قلب كلّ هذه التحدّيات، إنّها الجمر تحت رماد القمع، وهي التي تُجدّد نفسها في كلّ لحظة، لتُذكّر الجميع بأنّ الثورة تبدأ في القلوب، وما تلبث أن تُترجم إلى فعل عظيم. الكفاح من أجل الكرامة والحريّة ليس خيارًا، بل ضرورة تاريخيّة تفرض نفسها على كلّ من يرفض الانصياع للظلم.
تعهدٌ لا يُكسر: القتال حتى النهاية
في هذا اليوم، الذي نُحيي فيه ذكرى ضحايا التعذيب، نجدّد العهد على أنّ الحراك الثوريّ لن يتوقف، وأنّنا سنواصل الإصرار على تحقيق الحريّة مهما بلغ الثمن، إنّنا لا نطالب فقط بحقوقنا، بل نسعى إلى بناء عالمٍ أعدل وأكثر إنسانيّة، عالم ينحاز إلى الحق ضدّ الطغيان، وإلى العدالة ضدّ الوحشيّة.
رسالتنا للعالم
أيّها العالم، إنّ البحرين تنزف، ولكنّها أيضًا تحلم، أحلامها ليست مجرّد أمانٍ، بل هي مطالب حقيقيّة بالحريّة والعدالة والكرامة. وفي يومٍ ما، سيكون لهذا الحلم صوت أكبر من كلّ سياط الطغيان، وسيكون للعدالة اسمٌ يكتبه التاريخ بأحرف من نور على هذه الأرض الجريحة.