في قلب الليل، تحت سكون يعمُّ الأرض ويخيّم عليها الموت الأسود، روحٌ طاهرة ارتقت شهيدة. لم يكن «محمد عبد الحسين فرحان» يعلم أنّ لحظاته الأخيرة ستحين بسبب غاز قاتل؛ غاز لم يفرّق بين طفل وشيخ، بين رجل وامرأة. في زاوية من منطقة سترة، كانت البراءة تُقتل، والطفولة تُدمّر على يد طاغية يشهد التاريخ بظلمه وبطشه.
محمّد، ذو الستّ سنوات، لم يكن يعي معنى الثورة ولا معنى الحريّة التي يُطالب بها شعبه، لكنّه أصبح رمزًا لهذه الحرية. صباح 30 أبريل/ نيسان 2011، كان شاهدًا على فجرٍ جديد، فجرٍ حمل معه روح محمّد إلى العلا، بعدما قضى أيّامه الأخيرة في غرفة الإنعاش، يكافح من أجل نفس كان من المفترض أن يكون حرًّا لولا ظلم طاغية.
حمد وأعوانه، بغيهم وظلمهم لم يعد خافيًا على أحد. قتلوا الطفولة في البحرين، دمّروا الأحلام وزرعوا الخوف في كلّ زاوية من زوايا الوطن. لكن استشهاد محمد كان رسالة؛ رسالة بأنّ الظلم لن يدوم، وبأنّ دماء الأبرياء ستكون لعنة تطارد الطغاة.
في ذكرى استشهاد الشهيد الطفل «محمد عبد الحسين فرحان»، يجب أن نتذكّر أنّ الثورة ليست فقط مقاومة بالقبضات أو بالكلمة، بل هي مقاومة بالروح والنيّة. مقاومة في وجه كلّ ظالم وطاغية يحاول سرقة الأحلام وقتل البراءة. يجب أن نحمل في قلوبنا ذكرى كلّ شهيد ضحى بحياته من أجل أن نعيش نحن بحريّة وكرامة.
اليوم، يجب أن نعيد تجديد العهد للشهيد محمّد ولكلّ شهداء الحريّة والكرامة بأنّ دماءهم لم تذهب هدرًا ولن تذهب؛ لأنّ في كلّ قطرة دم شهيد يُزهر أمل، وفي كلّ زفرة آخرة تُحيى ثورة. إنّ رحيل محمد ليس نهاية، بل هو بداية لصحوة تتجدّد عزيمتها مع كلّ فجر جديد. فلتكن ذكراه نبراسًا يهدينا في طريق الحريّة والكرامة، طريق لا توقفه قوّة طاغية، ولا يدمّره جبروت ظالم.