في ليل غابر من ليالي الصمت والقهر التي تجثم على صدر الوطن كغيمة سوداء، في بلدة سماهيج الأبيّة، وُلد بطل من أبطال الثورة ونجم من نجوم الحريّة يُدعى «حميد علي حسن خاتم».
هذا الشاب الذي قدّم حياته قربانًا على مذبح الحريّة والعدالة، انضم إلى زمرة شهداء الوطن يوم الجمعة الموافق للحادي والثلاثين من يناير/ كانون الثاني لعام 2020. حميد، وهو في ريعان شبابه بعمر ناهز السابعة والثلاثين، أسكت صوته لكن خلّده تاريخ الشجاعة والمقاومة.
البداية كانت بتغريدة، نعم تغريدة عبّر فيها عن أفكاره ومبادئه، لتصبح هذه التغريدة فصلًا من فصول البطولة في سجلّ حياته. اعتقل على إثرها في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز لعام 2016، وكأنّ الكلمات قد أصبحت في زمننا هذا جريمة، أو أنّ الإفصاح عن الرأي قد تحوّل إلى عمل من أعمال الخيانة.
تعرّض حميد خلال اعتقاله لأبشع أنواع التعذيب على يد جلّادي الكيان الخليفيّ، في ممارسة تنمّ عن الجبن والعجز. ففي زمان يغيب فيه العدل، صارت القوّة الجائرة ميزانًا.
الأشدّ قسوة من التعذيب الجسدي، كان التعذيب النفسي المتمثل في الإهمال الطبيّ، حيث حُرم حميد أبسط حقوقه في العلاج اللازم للمرض الذي ألمّ به، في إظهار واضح للإهمال المتعمّد والتعدّي على حقوق الإنسان. وبكلّ برود أفرج عنه بعد أن تدهورت صحّته لدرجة تنذر بالخطر، وتُرك يصارع الموت، قتالًا لم يختره، أمام عدو لا يرحم.
رحل حميد، لكنّه ترك وراءه حكاية ملهمة لشجاعة لا تتزعزع وإصرار على الكفاح في سبيل الحقيقة والحريّة. أصبح شهيدًا تُروى قصّته للأجيال، شاهدًا على إرهاب كيان جائر وتذكيرًا بأنّ ثمن الحريّة والكرامة باهظ لكن ثمين. «هنيئًا لشهيدنا السعيد هذه الخاتمة بعد أن كان ثائرًا شجاعًا وأبيًا وجزءًا فاعلاً من جماهير ثورة 14 فبراير التي أوشكت على طي عامها الرابع عشر».
قصّة حميد، كما هو الحال مع كلّ شهداء الثورات، تخلّد في ذاكرة الأمم كنجم لامع في سماء الحريّة، تذكير دائم بأنّ الظلم لا يدوم، وأنّ الحقيقة، مهما طُمست، ستظلّ تشعّ بنورها الخالد. حميد ورفاقه رسموا لنا الطريق بدمائهم الطاهرة، وعلينا أن نستمر في المسير، حتى يبزغ فجر الحريّة وتتحقق العدالة لكلّ مظلوم.