في الذكرى الأليمة لاستشهاد الشهيد «ياسين جاسم العصفور» نقف خاشعين أمام معاناة تجسّدت في قصّة حياة قُطفت قبل أوانها، قصّة تعانق السحاب وتروي ملحمة الألم والفداء.
في ليلة عاصفة بالظلم والقهر، ضاع صوت البراءة مختنقًا تحت وطأة القسوة والعدوان.
الشهيد «ياسين جاسم العصفور»، طفل في الرابعة عشرة من عمره، أبصر النور ونشأ في أحضان المعامير، بسيط الأحلام، عفوي الضحكات، لكنّ قدره حمله إلى مصير موجع ليس له فيه ذنب سوى البحث عن الحريّة.
في العشرين من يناير/ كانون الثاني عام 2012، تحوّلت المعامير إلى مسرح لمأساة لا تُنسى، مأساة فقدان ياسين، ذلك البرعم الذي لم يتفتح بعد.
تقاسيم طريقة استشهاده تروي عنفًا لا يمكن تصوّره، فمساء يوم أحد كان شبيهًا بكلّ المساءات في الظاهر، تحوّل إلى كابوس عندما هاجمت القوّات المرتزقة تظاهرة سلميّة بمنطقة المعامير. الهدف لم يكن فضّ التظاهرة فحسب، بل إحكام الخناق على الأحلام والأنفاس عبر إغراق الطرقات والمنازل بغيوم من الغازات السامة.
ياسين، طفل مصاب بالربو، وجد نفسه غارقًا في بحر من الدخان القاتل، تدهورت حالته الصحيّة تدريجيًّا إلى أن نُقل في حالة يرثى لها إلى مستشفى السلمانيّة. ورغم جهود الفريق الطبيّ الذي وضعه على جهاز التنفّس الصناعيّ في قسم العناية المركّزة للأطفال، رحل ياسين عن عالمنا تاركًا وراءه حكاية شجاعة وظلم.
في هذه الذكرى المؤلمة، لا بدّ من التذكير بأنّ حكاية ياسين هي صرخة في وجه الظلم، نداء مدوّي يطالب بحقوق الأطفال في العيش بسلام، بعيدًا عن ويلات الصراع وشظف الحياة.
إنّ معاناة ياسين واستشهاده يجسدّان ضرورة القصاص من قتلة الأطفال ومنتهكي حقوقهم، فكلّ شهيد ينبغي أن يكون رمزًا يحتضن ثوراتنا نحو عالم يسوده العدل والرحمة، حيث لا يُظلم فيه طفل ولا تُقهر فيه براءة. فليكن استشهاد ياسين العصفور جرس إنذار جديد للإنسانيّة كي توقف جرائمها ضدّ الطفولة، وتعيد النظر في تعاريفها للأمان والحريّة.