في أعماق تاريخ الشعوب، تبرز ذكريات تركت بصمات لا تُمحى في الوجدان الوطنيّ. وإذ نتأمل الذكرى السبعين لتأسيس «هيئة الاتحاد الوطني» في البحرين، يمكن القول إنّنا نقف أمام إحدى تلك الذكريات الخالدة التي تروي قصّة جهاد وكفاح، قصّة هيئة عابرة لحدود الطائفيّة، حاملة على عاتقها هموم الوطن والمواطن.
تأسّست «هيئة الاتحاد الوطنيّ» في أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام 1954 كأوّل حزب سياسيّ في الجزيرة والخليج العربيّ، في ظلّ ظروف سياسيّة واجتماعيّة معقّدة، واستطاعت منذ البداية أن تصنع لنفسها منبرًا للدفاع عن حقوق الشعب، ومواجهة سياسات التفرقة والفساد الإداريّ والماليّ التي كان ينتهجها المستشار البريطانيّ وآل خليفة.
من مؤتمرها الشعبيّ الكبير الذي ضمّ المئات من العناصر الوطنيّة من مختلف مدن البحرين وقراها، استطاعت هذه الهيئة تشكيل جبهة متّحدة ضدّ الظلم والتمييز، وحمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة. كان للتنفيذيّة العُليا للهيئة التي ضمّت «عبد الرحمن الباكر، عبد علي العليوات، وعبد العزيز الشملان»، ورفاقهم صولات وجولات في ميادين العمل الوطنيّ والسياسيّ، وظلّت عقيدة الهيئة تقوم على الاستقلاليّة والوحدة الوطنيّة، ومواجهة أشكال التمييز والطائفيّة كافّة.
لم تقتصر جهود الهيئة على المنازعات السياسيّة وحسب، بل تعدّتها إلى توعية المواطنين بحقوقهم، وتنظيم المهرجانات والفعاليّات التي كانت تضيء على القضايا الوطنيّة، وتسعى إلى حلّ الأزمات الشعبيّة التي كانت تؤرق الشعب البحرانيّ.
إنّ ما حققته «هيئة الاتحاد الوطنيّ» يكاد يكون ثورة بمعنى الكلمة، فقد استطاعت أن تهزّ أركان الاستبداد وتضع مصالح الشعب فوق كلّ اعتبار.
بالرغم من مواجهتها لاضطهاد قاسٍ ومحاولات لإسكات صوتها، بقيت هيئة الاتحاد الوطنيّ صامدة، ورمزًا للعزم والإرادة الشعبيّة في مواجهة الظلم والفساد.
اليوم، ونحن نستذكر هذه الذكرى العطرة، لا بدّ من إعادة تقييم مساراتنا والاقتداء بروح «هيئة الاتحاد الوطنيّ»، روح العمل الجماعيّ والحلم بوطن يسوده المساواة والعدالة للجميع.
في ذكراها السبعين، لا يتبقى أمامنا إلّا أن نقف احترامًا وإجلالًا لهيئة الاتحاد الوطنيّ، ولكلّ من قدّم تضحيات في سبيل أن تعيش البحرين حرّة، مستقلّة، تنعم بالعدالة والمساواة. إنّ الدروس المستفادة من تاريخ الهيئة تحثّنا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى على العمل الدؤوب من أجل مستقبل أفضل لوطننا الغالي، مستقبل يسوده السلام والوئام ويعلو فيه صوت العقل والمنطق.