تعدّ قضيّة «السجناء السياسيّين» من أبرز المواضيع المطروحة حاليًّا في الساحة الداخليّة المحليّة في بلدنا العزيز -البحرين- سواء من أسرى مقاومي أبناء هذا الشعب أو «معتقلين» من ناشطيه وأحراره ممن يعدّهم النظام الحاكم في البحرين مجرّد شرذمة قليلة إرهابيّة، وليسوا سوى مخالفين للقانون، وهم امتداد للأجندات الخارجيّة؛ فبنظر الحكم القائم في البلد وعقليّة هذا النظام من رأس الدولة «وهو الملك حمد ذاته»، أو من الدولة العميقة «مجلس العائلة الحاكمة»، أو أصحاب الأيدي الباطنة «أجهزة الأمن والمخابرات والشرطة وغيرها» كلّ هؤلاء «النزلاء» -بتعبيرهم- مستحقّون لما نالهم، وهم أهل لتطبيق العقوبات عليهم، ومحلّهم الطبيعيّ هو السجن وكلّهم في الجُرم سواء.
لكنّ الأشهر الماضية القليلة حملت الكثير من التساؤلات في موضوع «السجناء»، لدى عموم الناس وكذلك المختصين، وهي وليدة واقع الحال المرير الذي تمثّل في سنوات طوال من البطش والحرمان، وهتك الحقوق، والتضييق والقمع من هذا النظام الذي لا يزال مستمرًّا في ذلك، لكن مع إفراجات عيد الفطر المبارك التي طالت نحو ما يقارب «نصف السجناء»، عاد ملفّ السجناء بقوّة بل أصبح الأوّل على قائمة القضايا والمواضيع السياسيّة في البلد بلا أيّ منازع، ولحق ذلك بعد مدّة قصيرة حديث غير بريء من «البرلمان الصوريّ» عن الملفّ وإقراره بوجود «معتقلين سياسيّين»، تلاه مغازلة سياسيّة خليفيّة لإيران على لسان الملك في حديثه مع الرئيس بوتين، في وقت بادر فيه «الزياني» وزير خارجيّة النظام إلى زيارة معلنة للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران لتقديم واجب العزاء باستشهاد الشهداء السيّد إبراهيم رئيسي ورفاقه «رحمهم الله».
أمام هذه التطوّرات، يُطرح سؤالان غالبًا ما يتكرّران ويشغلان بال الكثيرين- سواء داخل السجن أو خارجه – وهما:
1- كيف سيتصرّف النظام مع السجناء في المرحلة القادمة؟
2- هل سيفرج النظام عن السجناء في عيد الأضحى أم لا؟
واقعًا، السؤالان مترابطان، فالإجابة عنهما متلازمة؛ شئنا أم أبينا، ودائمًا ما نسمع من بعض الشباب وبعض المختصين وعامّة الناس أنّه لا يمكن توقّع شيء من «الحكومة»، وإذا تابعنا خطوة الإفراجات السابقة في عيد الفطر نجدها مؤشرًا يؤيد ما ذهبوا إليه.
لذلك ارتأيت أنّ أعدّ سلسلة من المقالات تتناول تفصيلًا أبعاد الإجابة عن هذين السؤالين، وتقديم وجهات النظر للخطوات العمليّة التي قد يُقدم عليها النظام والحكم في البلد مع تحليل لهذه الخطوات، وعرض ذلك في سياق التحليل العقلائيّ الذي يُمكن من خلاله فهم أسباب هذه الخطوات -لو تحقّقت- وما موقف قوى المعارضة منها وما ينبغي لها فعله، ومهما يكن النظام مُفاجئًا لبعضهم في تصرّفاته، كما في الآونة الأخيرة، وقوله إنّه لا يمكننا توقع أفعاله، فشخصيًّا أؤمن بأنّه لا أمر يحصل من دون سبب، ولا وجود للصدف، بل كلّ الأفعال قائمة على علل وأسباب، سواء علمناها أم جهلناها.
انطلاقًا من هذه النظرة، نستطيع تحديد التصرّفات المستقبلية للنظام – ولو إجمالًا – لو حلّلناها بشكل صحيح ودرسناها بصورة شاملة، ناهيك عن أنّ المهمّ للمختصين بالشأن السياسيّ والعاملين فيه هو «البناء على الأسوأ»، ودرس كلّ السيناريوهات المتوقّعة، ووضع الخطط لها مسبقًا، لا أن نقف عند فرضيّة واحدة وكفى، فهذا الخطأ يعدّ أكبر الأخطاء، وخصوصًا إذا عُلّل ذلك بدعوى أنّنا «لا نستطيع توقّع تصرّفات النظام».
إذن، الخطوات العمليّة المتوقّعة للنظام مع السجناء، والتي يمكن حصرها بثلاث، تتمثّل في الآتي:
1- إمّا ألّا يفرج عن أحد من السجناء مطلقًا.
2- وإمّا يتخّذ قرار الإفراج، وهنا مع فرضيّتين أخريين، هما:
أ- أن يفرج عنهم كلّهم وينهي الملفّ كليًّا.
ب- أن يفرج عن بعضهم ويبقي آخرين، وهذه الفرضيّة لها عدّة سيناريوهات يمكن تصوّرها، فقد يختار الإفراج عن دفعة تشبه تلك التي أُفرج عنها قبيل عيد الفطر المنصرم، أو يزيد عليها، أو أن يفرج عن الجميع عدا السجناء «الرموز القادة والمحكوم عليه بالإعدام»، وإمّا يفرج كعادته في السنوات السابقة في الأعياد بمعنى -عدد محدود من السجناء- وقد يبتكر تشكيلات وتصنيفات ويفرج عنها وهكذا.
فعمليًّا لدينا ثلاث فرضيّات أساسيّة:
1- ألّا يفرج عن أحد.
2- أن يفرج عن الجميع.
3- أن يفرج عن بعضهم.
وهذه الفرضيّات ستكون مورد الكلام فيما يأتي من المقالات.
معتقل الرأي «الشيخ حسين القافود»