قال خطيب الجمعة في البحرين «سماحة الشيخ محمد صنقور» إنّ الشعب الفلسطينيّ المظلوم والشعوب العربية والاسلاميَّة تستحضر في المنتصفِ من مايو ذكرى النكبةِ التي وقعت في العام 1948 حين أعلنت العصابات الصهيونيَّة قيامَ دولةِ «إسرائيل» على أرضِ فلسطينَ المحتلَّة بعد يومٍ واحدِ من إعلان الاستعمار البريطاني إنهاء انتدابه رسميًّا لها، لتلحقه مباشرة الولاياتُ المتَّحدة الأمريكيَّة والاتِّحادُ السوفيتي باعترافهما بهذه الدولة الغاصبة.
ولفت سماحته في خطبة صلاة الجمعة المركزيّة في «جامع الإمام الصّادق (ع)» في الدراز غرب العاصمة المنامة، يوم الجمعة 17 مايو/ أيّار 2024 إلى أنّ الإعلان لحِقه تطهيرٌ عرقيٌّ وتهجيرُ ما يقربُ من 800 ألف فلسطينيّ قسرًا وهو ما يقرب من 80% من السكّان آنذاك، ووقع ذلك بعد عشرات المجازر والمذابح والإبادات الجماعيَّة وبعد تدميرٍ كاملٍ لِما يزيد على 530 مدينة وقرية فلسطينيَّة من أصل 700 هي مجموعُ المدنِ والقرى التي قامت عليها «دولةُ إسرائيلَ» الغاصبة، وقد عمدت العصاباتُ الصيونيَّة إلى طمس الهويَّة الفلسطينيَّة، وذلك من طريق إنشاء مستعمراتٍ ومُدن على أنقاض المُدن والقرى التي تمَّ تدميرُها بالكامل وتحويل أسمائها إلى أسماء عبريَّة، ومن طريق تدمير ما يصلُ أو يزيد على 80% من مساجد فلسطين التأريخيَّة وغيرها وتدمير المتاحف والآثار الإسلاميّة وسرقة التُّحف والمحفوظات والمخطوطات، مضافًا إلى تحويل من تبقَّى من الفلسـطينيين إلى مشرَّدين في أرض 48 بعد تجريدهم من هويّتهم العربيَّة ومصادرة مزارعهم ومنازلهم، وأمَّا الذين تمَّ تهجيرُهم قسرًا وهم أكثر من ثلثي السكان الأصليّين فقد نزحَ الكثيرُ منهم إلى الضفة وقطاع غزَّة والقدس الشرقيَّة والبلدان المجاورة، ومات الكثيرُ منهم في الصحاري والطرق الوعِرة من الجوع والظمأ وشدَّة الإعياء وملاحقة العصابات الصهيونيَّة.
وأوضح سماحته أنّ بوصول النازحين إلى مواضع لجوئهم بدأت قصَّةُ الشتات والمخيَّمات التي تفتقرُ إلى أبسط مقوِّمات الحياة، وامتدَّت المأساةُ العصيةُ على التوصيف إلى ما يقربُ من العقدين من الزمن قبل أنْ تتضاعفَ المأساةُ بقيام حرب حزيران «حرب الأيام الستة» والتي تمخَّضت عمَّا يُعبَّر عنه بالنكسة واحتلال «إسرائيل» المدعومة من الدولِ الكبرى ما تبقَّى من أرض فلسطين -الضفّة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزَّة- مضافًا إلى احتلالها لأراضٍ عربيَّة وهي شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان.
ومن ذلك التاريخ بدأ ترويجُ ثقافة أنَّ «إسرائيل» واقعٌ يجبُ الإقرارُ به وأنَّ جيشَها لا يُقهر، ولذلك أخذت في تهويد القدسِ والضفةِ وقطاع غزَّة من طريق التجريف وإشعال الحرائق والمصادرةِ للمزارعِ والمنازل والبناء على أنقاضها مستوطناتٍ شاسعة في عموم أراضي 67 والتكثيف من عمليَّة الاستيراد لليهودِ من أوربا وأمريكا والاتِّحاد السوفيتي ومِن مختلف أصقاعِ الأرض.
ونوّه الشيخ صنقور إلى أنّ كيان الاحتلال لكي يستريحَ من صداع المعترضينَ والمقاومينَ فتح أبوابَ المعتقلات على مصراعيها وكدَّس فيها آلافَ الفلسطينيين والعرب من الرجال والنساء والمراهقين، وعمد إلى ملاحقتِهم في الدول المجاورة، فكان ذلك هو الذريعة التي تذرَّع بها لاجتياح بيروت والجنوبِ اللبناني، وهكذا أخذ يتمدَّد ويعربد ويرتكبُ المذابحَ والمجازر مثل «مذبحة دير ياسين ومجزرة مخيم تلِّ الزعتر ومجزرة صبرا وشاتيلا البشعة إلى مجزرة قانا»، وما بين هذه المجازر الدامية والرهيبة عشراتُ المجازرِ والمذابحِ التي راح ضحيتَها آلافُ المدنيّين والنساء والشيوخ والأطفال الفلسطينيين والعرب. كلُّ هذه الجرائم والفظائع كان الهدفُ منها التعزيزُ لثقافة فرضِ الأمر الواقع وأنَّ جيش إسرائيل لا يُقهر، وفق تعبيره.
ورأى سماحته أنّه بعد اطمئنان العدوّ الصهيوني لقوَّته وعُدَّته وتفوّقه المصطنع أظهر من موقع الاستعلاء استعداده لأن يتفضل على العرب فيهبُ لهم السلام ولكن في مقابل الأرض والهويّة والنفوذ، فأذعنت الأوساط لهذه الثقافة وقبلوا وادعين بهذا العَرض، ووحدهم المقاومون مَن أبى عليه القبول بوجوده فضلًا عن الخضوع لإملاءاته، فنهضوا بإمكانيّاتهم المحدودة يستمدُّون العَونَ من الله تعالى، فصار لهم أن طردوه من بيروت والجنوب في بداية الألفية الثانية، وبعد خمسِ سنوات اضطرّ بفعل المقاومة الباسلة أن يخرج راغمًا من قطاع غزَّة، وجاءت بعدها حربُ تمُّوز لتبدِّد بها المقاومةُ الإسلاميَّة أسطورةَ الجيشِ الذي لا يقهر، وبذلك فشلت العدوّ بعد ما يزيدُ على السبعة عقود من صناعة الاستقرار لدولته المارقة، وعبثًا حاول بعد هذه الحرب المظفَّرة استعادةَ هيبته وإيهامَ رعاياه أنَّه قادر على حمايتهم، وإيهامَ داعميه أنَّه قادر على تمرير مشاريعهم.
وشدّد الشيخ صنقور على أنّ طوفان الأقصى جاء ليضعَ العالم أمام حقيقةٍ طالما تجاهلها، وهي أنَّ هذا الوجود النشاز ذا النزعة الفاشية والعنصريَّة يجبُ أنْ ينتهي، وأنَّه لا مكان للكيانِ الصهيوني وشراذمِه على أرض فلسطين فيجبُ أنْ يعودوا من حيثُ أتوا.