ألقى سماحة الفقيه القائد آية الله الشيخ عيسى قاسم مساء الإثنين 13 فبراير/ شباط 2023 خطابه المركزيّ عشيّة الذكرى الثانية عشرة لانطلاق ثورة 14 فبراير، وذلك بحضور أبناء الجالية البحرانيّة والشخصيّات والجهات السياسية في مجمع الإمام الصادق «ع» في مدينة قم المقدّسة.
وقال سماحته إنّ البحرين تعاني من نظام التسلّط والتفرّد بالسّلطة وتهميش الإرادة الشعبيّة، وهي بواقعها السياسيّ والحقوقيّ لا اعتبار لرأي الشّعب على مستوى السّلطات الثلاث «التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة»، فالرأي رأي فردٍ واحد، الرأي دستور 2002، وهو من وضع فرد واحد وقد يخرج عن مقتضى هذا الدّستور ومقرّرته لإرادةٍ طارئةٍ لمن يشرف عليه، والشّعب ساقطةٌ إرادته في نظر الحكم، ملغيّ الإرادة، لا موقع لإرادته في تحديد مصيره ومصير وطنه.
وشدّد الشيخ قاسم على أنّ السياسة الاقتصاديّة ظالمة وفاشلة، وفشلها فشل مُتعمّد وعلى يد تخطيط الدّولة، وهي فاشلة من حيث مردودها الشعبيّ والوطنيّ، كما أنّ سياسة البلاد الاجتماعيّة الممزّقة، قائمة على الطائفيّة حماية لأمن النّظام لا محبةً في سُنّة ولا في غير سُنّة، لافتًا إلى أنّ ثمّة خلق لحالة بطالة وليست بطالة اضطراريّة، إذ إنّ قسمًا من الشّعب مكتوبٌ عليه ألّا يجد فرصة عملٍ في الكثير الكثير من أبنائه.
وأشار إلى أنّ الحرب على الدّين محاربة لا يضطرّ إليها استقرار الكرسي، وهي تتجاوز حدّ الحفاظ والحماية لموقع الحكم، وكأنّ هذه المحاربة على الدّين شرطٌ خارجيّ للبقاء في الحكم، وليس أنّ وضع الحركة الدينيّة مهدّد فعلًا لسقوط الحكم ورأى أنّ اللافتة الدينيّة الجديدة هي الدّين الإبراهيميّ، وهي للقضاء على الدّين، وأنّها لافتة مغرية أو خادعة، وأمّا ما وراءها فهو الإطاحة بالإسلام وتذويبه وتمييعه بل تمييع كلّ الدّين.
وشدّد آية الله قاسم على أنّ التّطبيع مع الكيان الصهيونيّ بكلّ أبعاده يمثّل بيعًا وتحوّلًا حضاريًا، بما يخدم إسرائيل وأمريكا، وأنّ الغرض منه في النّظر الإسرائيليّ والأمريكيّ هو تذويب الحالة الإسلاميّة في المجتمع الإسلاميّ، وتغريب المجتمع الإسلاميّ، ونقلة حضاريّة من الإسلام إلى الحضارة الغربيّة الكافرة.
وندّد بسياسة القمع التي يتعرّض لها شعب البحرين بسبب الدّفاع عن المقدّسات الإسلاميّة قائلًا: «في البحرين يتمّ حماية العدوان على مقدّسات المسلمين، – حرقُ قرآن – يخرجُ عددٌ من النّاس من شعب البحرين للتظاهر ضدّ هذه الجريمة، ويتمّ توجيه التّهم ضدّهم بالمشاركة في مظاهراتٍ غير قانونيّة، بما يعني لا عبرة بالإسلام، ولا اعتراف هنا بالإسلام»، مؤكّدًا أنّ البحرين تُمارَس فيها سياسة تنكيل وعنفٍ دائم وتأتي شيطنة الشّعب من الحكومة تبريرًا لاستمرار التنكيل والعنف، وتساءل «كم خليّة متآمرة؟ كم من دفعات السّلاح تتدفّق على البحرين في الإعلام الرسميّ؟
وقال سماحته إنّ في البحرين سجونًا من نوعٍ خاص متشدّد يمارس التعذيب والعدوانيّة، وسجونًا التهمت زنازينها ألوفًا عديدةً من أبناء البحرين من رجالها الذين يعتمد عليهم كلّ الاعتماد، هناك حبسٌ لعقلياتٍ كبيرةٍ ولنفوسٍ مبدئيّة شامخةٍ، ولرجالاتٍ صالحين ولقادةٍ قادرين.
وعن الوضع الأمنيّ في البلاد قال الشيخ قاسم: «في البحرين الشّارع مهدّد كلّ من فيه، وليالٍ طويلة مرّت على النّاس لا يأمن أحدٌ في بيته، لا متحرّك ولا غير متحرّك، وليس هناك أحد يستطيع أن يطمئنّ على ماذا؟ إلا أنّه بريء، كما في البحرين يوجد امتحانٌ للولاء الوطنيّ، للتأكّد من الإخلاص والولاء الصهيونيّ والإسرائيليّ، ويحكمون عليك أنّك لم تستجب لأمرٍ يُفرض عليك الدّخول في عمليّة التطبيع ومباركته والانخراط فيه»، وتساءل عن معايير الحكم حول ولائه للوطن وعدوانه للحكومة من وجهة النّظر الأمنيّة.
ولفت إلى أنّ النّظام السياسيّ في البحرين مستعدّ أن يُهجّر وأن يسحب الجنسيّة، وأن يفصل المواطنين من عملهم إذا لم يستجب في مؤامرة الاشتراك بالتطبيع، وهو حاضرٌ في ذهنيّة النّاس كلّ يوم، فضلًا عن أن يحضر في ذكرى 14 فبراير/ شباط.
ووجّه آية الله قاسم الشّكر للمعارضة البحرانيّة على المبادرة إلى التقارب والتفاهم والعمل المشترك لخدمة قضيّة الشّعب، وتضاعف الجدّ عندها وكبر الوعي، وعظم الروح الجهاديّة، وتسامي فهم ضرورات العمل الجهاديّ المنتج، مؤكّدًا أنّ «طريق النّصر مفتوح أمام الشّعب ومعارضته ولكن بشرط تحسين الهدف، والإكثار من التفاهم والتشاور، وأن يكون العمل أكبر من الإعلام».
وشدّد على أنّ يوم 14 فبراير/ شباط هو يومٌ لتجديد العهد على التغيير، والنّقلة إلى واقعٍ بكلّ أشكاله بما فيه من تضييعٍ لكرامة الناس وما فيه تهميشٌ لهم، وكأنّه يوم لشحذ الهمم واشتداد الإرادة، ويوم تخطيطٍ وتطويرٍ عمليّ ناتجٍ عن تلاقي الأفكار والبحث عن الأفضل قبل أن يكون يوم خطابة، لكن الأساس هو التخطيط القائم على قيم التحرّك والعمل – حسب تعبيره.
ورأى سماحته أنّ النّصر قد حصل لكن يحتاج إلى طريق، ووجّه الشكر ورسالةً إلى الشّعب حول هذا المعنى، قال فيها «ابنوا على أنّ النّصر إذا أراد الله عزّ وجلّ قد يكون قريبًا وأقرب ممّا مضى، هل تصبرون أو لا تصبرون؟ فحياة المسلمين كانت كلّها جهادًا، وسيبقى الجهاد وإن خرجنا من معركةٍ تأتينا معركة ثانية، فالجهاد عزيمة خطّة البذل، خاصّة أنّ الحكومة عنيدة وشديدة على شعبها، لا تفكير لها إلا الحفاظ على الكرسي وإن كان في ذلك بيعُ نفسها وبيعُ شعبها والدّين وكلّ شيء.