يستميت النظام الخليفيّ، كما في كلّ عام، لاستضافة سباقات «فورمولا 1» على أرض البحرين، لما يظنّه بأنّها قد تجمّل بعضًا من سجلّه الحقوقيّ السيّئ، وتبيّض صورته السوداء أمام الرأي العام، عدا عن الأموال التي تأتيه منها.
بعد انطلاق الثورة عام 2011، استمرّت هذه السباقات، ولكن على دماء الشعب وجراحاته، هذه السباقات التي رأى فيها دعمًا للنظام على قمعه والاستمرار بمصادرة حقوقه، فأعلن رفضها، وصارت في كلّ عام إحدى محطات المواجهة بينهما؛ النظام ومن يقف وراءه ويسانده ويغطي جرائمه من جهة، والشعب ومن ينصفه من منظّمات وناشطين وحقوقيّين من جهة أخرى.
ولم يعد من المستغرب أن يصمّ هذا النظام آذانه عن الانتقادات التي توجّه له ما دام يحقّق مبتغاه وفق اعتقاده، بل لم يعد من المستغرب أيضًا أن يتعدّاه هذا التجاهل ليصل إلى إدارة الفورمولا التي، وبحسب سبع وعشرين منظّمة حقوقيّة دوليّة، فإنّها تتعامل بازدواجيّة معايير إذا ما قورن موقفها من أزمة أوكرانيا بما يجري في البحرين من انتهاكات إضافة إلى دورها في العدوان على اليمن.
ولعلّ معتقلة الرأي السابقة «نجاح يوسف» التي اعتقلت عام 2017 بسبب انتقادها عقد السباقات في ظلّ استخدام النظام للقمع المفرط، وتعرّضت للتعذيب النفسيّ والجسديّ وفصلت من عملها خير دليل على أنّ إدارة «فورمولا 1» لا تراعي الجانب الإنسانيّ والحقوقيّ إذا ما تعارض مع مصالحها.
ولم تؤثّر رسالة وجّهها 90 برلمانيًّا أوروبيًّا إلى رئيس «الاتحاد الدوليّ للسّيارات» و«الفورمولا 1» لوضع حدٍّ «للغسيل الرياضيّ» في ثنيهما عن إقامتها في البحرين هذا العام، على الرغم من أنّهم عبّروا فيها عن قلقهم البالغ إزاء الانتهاكات وسوء المعاملة وجرائم التعذيب والإعدامات في الدّول التي تستضيف سباقات «الفورمولا 1»، ومنها الإمارات والبحرين والسعوديّة، إضافة إلى تورّط الثلاث في الاعتداءات العسكريّة المستمرةّ منذ 7 سنوات ضدّ الشّعب اليمنيّ، والتي ترتقي إلى كونها «جرائم حرب»، بحسب ما وصفتها منظّمة الأمم المتّحدة.
وبات واضحًا أنّ السبب في مقابلة رئيس إدارة الفورمولا «ستيفانو دومينيكالي» كلّ المطالبات الحقوقيّة والدوليّة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين بالصمت وإصرار على المضيّ بعمليّات «الغسيل الرياضيّ»، هو شراؤه بأموال النظام.
لكنّ الخطوة الخطرة التي اتّخذها النظام الخليفيّ في هذا العام، هي أنّه لم يكتف باستغلال هذه السباقات لتجميل انتهاكاته الحقوقيّة والإنسانيّة، بل تخطّاها ليشهر تطبيعه باستفزاز صريح ووقح لمشاعر الفلسطينيّين والبحرانيّين والعرب، وذلك بأن يتيح للعلم الصهيونيّ أن «يختال» في حلبة السباق، في وقت يُقتل فيه أبناء حي الشيح الجراح، ويستمرّ الحصار على أبناء غزّة، ويُعتقل شباب القدس والضفّة.