بسم ِاللهِ الرحمنِ الرحيمِ
والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ محمّدٍ سيّدِ المرسلينَ وخاتمِ النبيّينَ، وعلى آلِهِ الطيّبينَ الطاهرينَ، واللعنُ الدائمُ على أعدائِهِم أجمعينَ من الآنَ إلى قيامِ يومِ الدين.
يحلُّ علينا شهرُ رمضانَ المباركُ، شهرُ الإسلامِ، وشهرُ الطهورِ، وشهرُ التمحيصِ، وشهرُ القيامِ {الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}، هو شهرٌ تُفتَحُ فيه أبوابُ السماء، وتُصفدُ فيه مردةُ الشياطين، فلا يصلونَ فيهِ إلى ما كانوا يصلونَ إليهِ في غيرِهِ، هو سيّدُ الشهورِ، يضاعفُ اللهُ فيه الحسناتِ، وأعمالُ الخيرِ فيهِ مقبولةٌ، وهو شهرُ الصبرِ، والصبرُ ثوابُهُ الجنّة.
ولنا في بدايةِ هذا الشهرِ الفضيلِ الذي يأتي في هذا العامِ بظرفٍ استثنائيٍّ، هو تفشّي فيروسِ «كورونا» في العالم، وقفاتٌ عدّةٌ:
الأولى: إنّ المتأمِّلَ والمتدبِّرَ في القرآنِ الكريمِ، وما حلَّ بقومِ عادٍ وثمودٍ، وقومِ فرعونَ، إذ أهلكهُمُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى بأنواعٍ متعدّدةٍ من المخلوقاتِ، نتيجةَ ظلمِهِمُ وفسادِهِمُ، تتكوّنُ لديه قناعةٌ بأنّ ما يحدثُ اليومَ، وما نشاهدُهُ في عالمِنَا من شرقِهِ إلى غربِهِ، ومن جنوبِهِ إلى شمالِهِ، ليس جزافًا، بل لا يُستبعدُ أن يكونَ آيةً إلهيّةً مقصودةً، جاءتْ لتأديبِ الإنسانِ وتهذيبِهِ، بعد طغيانِهِ وتجبّرِهِ، وابتعادِهِ عن صراطِ اللهِ المستقيمِ وهو مالِكُ الملكِ، ويخضعُ كلُّ ما في الكونِ لأمرِهِ وقدرتِهِ، وهو القادرُ على كلِّ شيءٍ، وكلُّ ما سواه عاجزٌ وضعيفٌ، مهما بلغتْ سَطوتُهُ وطغيانُهُ وجبروتُهُ، فقارونُ الذي بلغَ مالُهُ مبلغًا عظيمًا يعجزُ الرجالُ عن حملِ مفاتيحِ كنوزِهِ، وغيرُهُ ممن هو أشدُّ قوّةً وأكثرُ جمعًا وأثرى مالًا، لم يستطيعوا أن يفرّوا من قبضةِ اللهِ العزيزِ المتعالي.
فهذا الفيروسُ الذي لا يُرى بالعينِ المجرّدةِ لم يستطِعِ العالمُ بأكملِهِ الوقوفَ أمامَهُ مع ما يملكُهُ من إمكانيّاتٍ، ولم يتمكّنْ من الخروجِ من أزمتِهِ بحلولٍ أرضيّةٍ؛ حتى خضعَ الكلُّ وتيقّنَ أنَّ الحلَّ خارجٌ عن إرادةِ البشرِ، فثمّةَ إرادةٌ قاهرةٌ وحدَهَا قادرةٌ على إنهائِها في التوقيتِ الذي ترتئِيهِ، فهي التي بيدِها مفاتيحُ الأمورِ، وحلُّ كلِّ أمرٍ معقّدٍ، والمخرجُ لكلِّ الشدائدِ، كيف لا؟ وقد ذلّتْ لقدرتِها جميعُ الصعابِ، فلا سبيلَ ولا خلاصَ إلّا بالرجوعِ والتوجّهِ إلى تلك القوّةِ القادرةِ والانصياعِ والخضوعِ لها، والتوسّلِ إليها لرفعِ هذا البلاء.
الثانيةُ: شهرُ رمضانَ هذا العامَ يحلُّ والعالمُ يعيشُ في هذه المحنةِ والظروفِ الصعبةِ بسببِ الجائحةِ المستجدّةِ، فما أحوجَنَا إلى التوسّلِ بالإمامِ المهديِّ «عجلَ اللهُ فرجَهُ» فهو إمامُ زمانِنا وسلطانُ عصرِنا وبيدِهِ قضاءُ الحوائجِ ودفعُ المهمّاتِ عنّا؛ لأنّه بابُ اللهِ الذي منه يُؤتَى، ووجهُ اللهِ الذي يتوجّهُ إليهِ الأولياءُ، والوسيلةُ الى رضوانِهِ، وهو واسطةُ الفيضِ الإلهيِّ، به يُنزِلُ الغيثَ، وبهِ يُمسِكُ السماءَ أن تقعَ على الأرضَ إلّا بإذنِهِ، وبه ينفّسُ الهمَّ، ويكشفُ الكربَ، فلتكنْ مجالسُنَا ونحن في بيوتِنا صادحةً بأنواعِ التوسّلِ من زيارةِ آلِ ياسين، ودعاءِ الفرجِ، والإكثارِ من الصلاةِ على محمّدٍ وآلِ محمد، وغيرِها، لرفعِ البلاءِ عنّا وعن جميعِ المؤمنينَ والمؤمناتِ، بل عنِ البشريّةِ جمعاءَ، وليكنْ هذا الشهرُ فرصةً نغتنمُها بالسعيِ إلى قضاءِ حوائجِ إخوتِنا في الدينِ، وتقديمِ المساعدةِ والعونِ والوقوفِ إلى جانبِهِم، والأخذِ بيدِ الفقراءِ والأيتامِ والمستضعفينَ وإعانتِهِم، ولا نغفلُ عن كتابِ اللهِ القرآنِ الكريمِ والتدبّرِ في آياتِهِ المباركةِ.
الثالثة: إنّ وطنَنَا ليسَ بمنأًى عمّا يجري في العالمِ، بل قد يكونُ في وضعٍ أسوأَ، حيثُ يتحكّمُ في أواصرِهِ من لا يخافُ اللهَ ولا يهمُّهُ سلامةَ أبناءِ الشعبِ الذينَ يرزحُ منهمُ أكثرُ من 4000 في السجونِ الظالمةِ، لا لجرمٍ اقترفوه ولا لذنبٍ عملوه سوى مطالبتِهِم بحقوقِهِمِ المشروعةِ، فعوقبوا أشدَّ العقوبات، وها همُ اليومَ يتهدّدُهُمُ هذا الوباءُ أكثرَ من غيرِهِم، لذا فإنَّ إخراجَهَم من هذه السجونِ هو منَ الأولويّاتِ الكبيرةِ، وعلى النظامِ الخليفيِّ أن يستمعَ إلى صوتِ العقلِ والضميرِ الإنسانيِّ، وقولِ الناصحينَ والمحذّرينَ، الحريصينَ على أمنِ العبادِ والبلادِ، فليستمعْ إلى كلمةِ الفقيهِ القائدِ آيةِ اللهِ الشيخِ عيسى أحمد قاسم، وليفرجْ عن جميعِ المعتقلينَ ويبيّضِ السجونَ قبلَ وقوعِ الكارثةِ وحدوثِ الفاجعةِ التي قد تعصفُ بالبلادِ وتنهارُ معَهَا المنظومةُ الطبيّةُ، فلا مجالَ في هذا الظرفِ الصعبِ والمحنةِ التي يعيشُهَا العالمُ بسببِ جائحةِ فيروسِ كورونا، والأعدادِ الهائلةِ من الإصاباتِ والوفياتِ التي يوافينا بها الإعلامُ، عدا التي لا يُعلمُ عنها، إلى التوظيفِ السياسيِّ.
الرابعةُ: نشدّدُ مجدّدًا على التعاضدِ والتكاتفِ، والوقوفِ مع الكوادرِ الطبيّةِ، والمخلصةِ عمليًّا، والتقيّدِ بتوجيهاتِ المراجعِ والعلماءِ الأفاضلِ، والالتزامِ بكلِّ التعليماتِ التي تسهمُ في الحدِّ من انتشارِ هذه الجائحةِ العالميّةِ التي تهدّدُ حياةَ الجميعِ، وهنا لا بدَّ منْ أنْ نشكرَ كلَّ من قدّمَ وتعبَ وجاهدَ وشاركَ في حربِنا على هذا العدوِّ في كافةِ مناطقِ البحرينِ لضمانِ سلامةِ أهلِنا وأحبّتِنا، ونخصُّ بالذكرِ الطاقمَ الطبّيَ الذي يتصدّرُ ساحةَ المواجهةِ، فحرِسَهُ اللهُ وحفظَهُ من كلِّ سوءٍ وبلاءٍ، كما نحيّي الجنودَ المجهولينَ الذين شاركوا في حملةِ التعبئةِ الوطنيّةِ لمواجهةِ كورونا في البحرين، والشبابَ المهجّرينَ الذين انضمّوا إلى حملاتِ التعقيمِ الميدانيّةِ في الجمهوريّةِ الإسلاميّة.
الخامسة: إنّ شعبَنَا الواعيَ الذي ناضلَ وجاهدَ وتحمّلَ ما تحمّلَ من آلامٍ وجراحاتٍ، وبذلَ ما بذلَ من تضحياتٍ منذ انطلاقِ ثورتِهِ حتى اليومَ لينالَ حريَّتَهُ، متمسّكًا بأهدافِهِ التي خرجَ من أجلِها وفي مقدّمتِها حقُّ تقريرِ المصيرِ وإنهاءُ حكمِ العائلةِ الواحدةِ القائمِ على القمعِ القاسي والمتوحش، لن يقبلَ بالحلولِ الهشّةِ وبما لا يحفظُ عزّتَهُ وكرامَتَهُ ونيلَ حقِّهِ في تقريرِ مصيرِهِ، وسيبقى مواصلًا مسيرتَهُ، وضاغطًا ميدانيًّا وسياسيًّا وحقوقيًّا وإعلاميًّا حتى يحقّقَ أهدافَهُ الساميةَ متمسّكًا بقولِ أميرِ المؤمنينِ عليِ ابنِ أبي طالب (ع) «لنا حقٌّ فإنْ أعطيناه وإلّا ركبنا أعجازَ الإبلِ وإن طالَ السرى»، ولن تنطليَ عليه كلُّ أساليبِ النظامِ وحيلِهِ الماكرةِ والخادعةِ وتدابيرِهِ السياسيّةِ الخبيثةِ للالتفافِ على هذه الأهداف، أو تثنيهِ عن الجهادِ والدفاعِ عنها، وهو على يقينِ بمطالبِهِ وحقوقِهِ، وبنصرِ اللهِ الموعود.
ختامًا: فلنعتبرْ ممّا نزلَ من بلاءٍ وعمَّ العالمَ ولنتعّظْ منه، ولنرجعْ إلى اللهِ «عزَّ وجلَّ» متسلّحينَ بالدعاءِ والتوسّلِ بالعترةِ الطاهرةِ من آلِ محمدٍ «ص»، ونسألُهُ تعالى أن يعينَنَا على أنفسِنا، ويبعدَنَا عن سوءِ الخُلقِ واقترافِ الخطيئةِ، ويقبلَ توبَتَنا وإنابَتَنا بين يدَيْ حجّتِهِ الإمامِ المهديِّ «عج» متوجّهينَ إليه: «السلامُ عليك يا داعيَ اللهَ وربّانيَ آياتِهِ، السلامُ عليك يا بابَ اللهِ وديّانَ دينِهِ، السلامُ عليك يا خليفةَ اللهِ وناصرَ حقِّهِ، السلامُ عليك يا حجّةَ اللهِ ودليلَ إرادتِهِ، إنّا توجّهنا، واستشفعنا، وتوسّلنا بك إلى الله، وقدّمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهًا عند الله اشفعْ لنا عند الله، وارفع بمقامِكَ وعظمتِكَ عند اللهِ ما ابتُلينا به من وباء»، تقبّلَ اللهُ أعمالَنا وأعمالَكُم وجعلنا من المقرّبين منه في هذا الشهرِ الكريمِ، وصلّى اللهُ على خيرِ خلقِهِ محمّدٍ وعلى آلِ بيتِهِ الطيّبينَ الطاهرين.
رئيسُ مجلسِ شورى ائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير
الجمعة 24 أبريل/ نيسان 2020