ويبدأ المسير.. نحو قبلة العاشقين أبي عبد الله الحسين «ع»، في أرض اختلط فيها الدم بالتراب فعجنت طينة الشهادة في سبيل الله، وصارت الأفئدة تهوي عند ذاك الضريح فترتقي الأرواح إلى عالم الملكوت.
على ذاك الدرب يمشي التائقون إلى لقاء سيّد الشهداء، ويجتمعون في محطات ليتعبأوا ويكملوا سيرهم بعد راحة من عناء، يتحدّون الزمان والمكان حين يطوون المسافات وعيونهم شاخصة إلى ذلك المقام المنير في عتمة الظلم، بدموعهم المترقرقة على وجناتهم شوقًا وحنينًا.
يمضون وهم يلقون السلام على كلّ شهيد سقط فالتحق بركب قافلة أصحاب الحسين «ع»، ويعرجون إلى ثورة البحرين، ثورة كربلاء المستمرّة، وعند المدخل يدوسون بأقدامهم وأحذيتهم علَمي الاستكبار، ثم يجولون بين شهدائها يسمعون بطولاتهم وإنجازاتهم، فتسيل العبرات وتتألم القلوب على شبّان واجهوا الموت وجهًا لوجه، بالصدور العارية، والصرخات المدوية «لبيّك يا حسين».
في «معرض شهداء البحرين» حكايات وحكايات… عن الرأس المفضوخ، والأجساد الممزّقة، والصدور المهشّمة، عن الشهيد أحمد فرحان، ورضا بو حميد والقائد صلاح عباس، والإعلاميّ عبد الكريم فخراوي، والقائد رضا الغسرة ورفاقه، وشهداء الحريّة، واللائحة تطول، تختصرها صورهم التي علّقت لتكون خير شاهد على وحشيّة النظام الخليفيّ.
في تلك البقعة الصغيرة تُختصر آلاف الروايات، وبكلّ اللغات تُفهم، لا حاجة إلى مترجم، ولا فرق بين عربيّ وأعجميّ ولا بين أسود وأبيض، فالبحرين تجمعهم ومظلوميّة شعبها تشدّهم، فيتحقق الانتصار لكلّ الشعوب المظلومة: اليمن، الحجاز، نيجيريا ولكلّ شعب ذاق الويلات من إرهاب آل سعود وأذنابهم، وفي تلك البقعة تلمح ظلالًا لجنود مجهولين مخفيّين، يصلون الليل بالنهار ليحفظوا الأمانة التي جعلوها عهدًا في أعناقهم لهؤلاء الشهداء «أن من بعدكم سنستمرّ في الثورة حتى ننال إحدى الحسنيين، إمّا النصر وإمّا الشهادة».
خطوات تفصل الزوّار عن محطتّهم الأخيرة، ضريح الحسين «ع»، يلقون التحيّة والسلام على من مضى في درب الشهادة، قبل أن يتزوّدوا مما طاب لهم في مضيف «شهداء البحرين»، ويودّعونهم بكلمات يكتبونها على صفحات عزّ تكاد دموعهم تمحوها، قبل أن يكملوا المسير إلى اللقاء المنشود.