واحد وثلاثون شهيداً وعشرات الجرحى، منازل أُثرية تحولت لركام على الأرض، مضائف هدّمت وأزيلت، عوائل شردت وهجّرت، آثار ردمت، وأطفال حرمت من حقها في التعليم، مشهدية دموية ارتسمت بأيدي القوات السعودية على امتداد مئة يوم أجهزت خلالها فرق الطوارئ والحرس الوطني والمهمات الخاصة على العوامية لتهدم “مسوّرتها” التي تعود لـ400 عام، بزعم التطوير والعمران.
العاشر من مايو 2017، لم يكن يوماً عادياً في المنطقة الشرقية، استفاق الأهالي عند الثالثة فجراً على أصوات الرصاص وانفجارات القذائف، وروائح الحرائق التي التهمت البيوت، انقضت الفرق بكافة عناصرها، وفرضت حصارا على البلدة، وبثّت الرعب بين الأهالي. توالت الأيام وتوالت معها همجية السلطة في الانتقام من الأهالي الذين صمدوا بوجه الحصار وبقيوا في بيوتهم، ولم يرضخوا لمخطط السلطات بتهجيرهم والاستيلاء على أرزاقهم.
قبل عام، شهدت البلدة محطات دامية وسجلت أرقاماً قياسية للجرائم على امتداد مئة يوم من الحصار العسكري، الذي فرضته القوات الامنية والعسكرية.
حصار تلوّنت خلاله الهجمات التي اغتالت الأطفال والشيب والشبان، وبين رصاص حي ّ وقذائف حارقة واغتيالات في ظلمة الليل وإعدامات تهدف لهدم العزيمة ارتقى شهداء وأصيب جرحى لا يزالوا يعانون جراحات الاجتياح.
حسين أبو عبد الله، علي مهدي السبيتي، الشهيد محمد عبد العزيز الفرج، محسن الأوجامي، حسين السبيتي، حسين الزاهر،الشهيد جعفر المبيريك، صادق درويش، حسن العبد الله، محمد الصويمل، علي أبو عبد الله، فاضل آل حمادة ، الطفل جواد مؤيد الداغر، علي محمد عقاقة، وهب فكري معيوف، أمين محمد آل هاني، عبد المحسن الفرج، محمد ارحيماني، وعدد من المقيمين، شهداء ارتقوا بنيران غادرة من قوات الطوارئ ومدرعاتها، خرقت أجسادهم في وضح النهار وظلمة الليل الحالك.
وفي حين لا تزال أنّات الطفل سجاد أبو عبدالله تترنم على مسامع الجميع، كانت هجمات الرصاص تتسلل في عتمة الليل الى سيهات التي لم تكن بمنأى عن الاغتيالات والهجمات الأمنية، واغتيل النشطاء جعفر آل مبيريك، حسن أبو عبدالله وصادق آل درويش، في حين تولت الفرق خلف قضبان السجون، تنفيذ عمليات قتل من نوع آخر، مستخدمة حد السيف، حيث تم تنفيذ حكم الاعدام بحق النشطاء المعتقلين زاهر البصري، مهدي الصايغ، يوسف المشيخص، وأمجد المعيبد، ما كشف عن فشل السلطة في كسر عزيمة الأهالي في العوامية، الذين لم يرضخوا ولم يهنوا أمام الهجوم، الذي زاد أهالي المنطقة الشرقية عزيمة وصبرا.
مراحل متقدمة من الهجمات والعمليات العسكرية استهدفت المزارع والمحال التجارية، قضت على الأرزاق بإحراقها، فيما انكشف الوجه الطائفي بشكل واضح عبر تهديم المساجد والحسينيات، والمضائف، في مختلف أنحاء البلدات، العوامية البحاري وغيرها، حيث هدم نحو 7 مساجد و9 حسينيات.
عملية الهدم هذه ترافقت مع حملة تجييش إعلامي تولته السلطات مع صمت المجتمع الدولي على الجرائم المرتكبة، بفعل آلة العسكرة التي أجبرت الأهالي على ترك منازلهم، بعد الخسائر البشرية والدمار الذي لحق بالمنازل والبنى التحتية للبلدة فضلاً عن تضرر شبكات المياه والكهرباء، ما رسم واقعا مريرا على السكان.
فصول من مسرحية حرب رسمتها آلة السلطة، اشتد وطيسها في الـ26 من يوليو، مع دخول قوات الأمن الخاصة الى العوامية، حيث تم تضييق الخناق على البلدة وتشديد الحصار عليها، إثر تحويلها إلى ما يشبه ثكنة عسكرية. واستمرت العمليات الدامية، حتى يوم التاسع من اغسطس، يوم تدنيس بيوت الله، في العوامية، حيث اجتاحت القوات العسكرية بالسلاح مساجد البلدة، وبدأت العناصر بالرقص على أعتاب المسجد وتمزيق الصور وتدنيس الآيات القرآنية، معلنة بهذا المشهد اجتياحها للبلدة، بعد أن حولتها لساحة حرب حقيقة.
لكن بعد عام على الجريمة يبقى ابناء العوامية على عزمهم وإرادتهم الصلبة رغم الحصار والترهيب المتواصل من قبل نظام آل سعود .