تناولت الصحف الأميركية باهتمام صباح اليوم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
رأت صحيفة واشنطن بوست أن الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه مع إيران قبل ثلاث سنوات لم يكن مثالياً لكن قرار ترامب بإلغائه بالرغم من معارضة الحلفاء الأوروبيين ومن دون استراتيجية واضحة لاستبداله ينم عن تهور، فقد فتح الباب على خلاف مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا ومنح للأسف إيران فرصاً كثيرة.
وأضافت الصحيفة أنه من غير المرجح أن يتعاون الأوروبيون، الذين فشلوا في إقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق، مع واشنطن في محاولتها سحق الاقتصاد الإيراني.
وقالت "واشنطن بوست" إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان دفعا ترامب إلى الخروج من الاتفاق. لكن رئيس اركان الجيش الإسرائيلي قال "إن الاتفاق يؤجل تحقيق الرؤية النووية الإيرانية إلى ما بين 10 و15 سنة. لكن قرار ترامب ألغى هذه المهلة من دون القيام بأي شيء إزاء العدوان الإيراني المستمر في سوريا واليمن وأماكن أخرى".
ورأت الصحيفة أن السعوديين والإسرائيليين يأملون ربما أن يعيد قرار ترامب الولايات المتحدة الى الشرق الأوسط من خلال مواجهة مع عدوهم، وأن الرئيس ترامب قال مراراً إن لا رغبة لديه بمزيد من الحروب في الشرق الأوسط بيد أن قراره جعل الحرب أكثر احتمالاً.
نيويورك تايمز: أين هو الاتفاق الافضل سيد ترامب؟ا
أما صحيفة نيويورك تايمز فقالت إن المفتشين الدوليين في الوكالة الدولية للطاقة النووية الى جانب الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية قالوا مراراً وتكراراً إن إيران التزمت بتعهداتها. لكن الأمر لم يعنِ لترامب الذي تحالف مع المتشددين المناهضين لإيران في إدارته ومع كل من بنيامين نتنياهو والسعودية الذين يرون جميعهم بأن مشكلتهم مع إيران يمكن أن تحل على نحو أفضل من خلال الإطاحة بالنظام عبر أزمة اقتصادية أو عمل عسكري. وبعد كل هذا الوقت من المحاولات الأوروبية لإقناع ترامب من المشكوك فيه أن ترامب كان جاداً يوماً في العثور على تسوية. ويأمل الاوروبيون والإيرانيون الذين أعلنوا عن استمرار التزامهم بالاتفاق أن يقلّصوا التداعيات، لكن بالرغم من حديث ترامب عن انه مستعد للتفاوض حول اتفاق جديد من الواضح أنه ليس لدى الرئيس الأميركي خطة "ب" باستثناء تصعيد الضغط على إيران.
وول ستريت جورنال: ما بعد اتفاق أوباما النووي مع إيران
ورأت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن أمام إدارة ترامب الكثير من العمل لتنفيذ استراتيجيته تجاه إيران، أي بناء دعم من كلا الحزبين في الكونغرس للعقوبات ودبلوماسية تردع المغامرات الإيرانية في سوريا وأي مكان آخر في الشرق الأوسط والمزيد من الدبلوماسية مع أوروبا لإصلاح الثغرات في الاتفاق النووي.
وتابعت أن الجزء الأهم من كلام ترامب ربما كان في النهاية حين تحدث الى الشعب الإيراني الذي عانى طويلاً قائلاً له إن الشعب الأميركي يقف الى جانبه ويعرض عليه علاقات أفضل ومستقبلاً أكثر ازدهاراً في حال تخلى قادته عن أحلامهم النووية المدمرة والتوسعية. فالتغيير السياسي في طهران يبقى الأمل الأكبر لإيران غير نووية.
فورين بوليسي: فن تغيير النظام
من جهتها، قالت مجلة "فورين بوليسي" إن قرار ترامب الانسحاب لا يستند الى رغبة بمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية لأنه لو كان الأمر كذلك فإن الالتزام بالاتفاق كان سيكون أكثر منطقية. ففي نهاية المطاف الوكالة الدولية والاستخبارات الأميركية اتفقتا على أن إيران التزمت بالكامل بالاتفاق منذ توقيعه. كما أن قرار ترامب ليس مدفوعاً برغبة لمواجهة أنشطة إيران في المنطقة مثل دعمها للرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله، لأنه لو كان هذا هو الهدف فإن المنطق يقتضي البقاء في الاتفاق وتحشيد الدول الأخرى للانضمام الى الولايات المتحدة في الضغط على إيران. وبعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق لن يكون من المستحيل فقط جمع التحالف نفسه الذي أنتج الاتفاق بل إن إيران ستتردد على نحو مضاعف في التفاوض مع الولايات المتحدة بعد أن أظهر ترامب أنه لا يمكن الوثوق بها.
ما الذي يجري إذاً؟
وقالت مجلة "فورين بوليسي" إن الانسحاب من الاتفاق يستند الى رغبة في إبقاء إيران داخل صندوق العقوبات ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع العالم الخارجي. وهذا الهدف تجتمع حوله إسرائيل والجناح المتشدد في اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة والصقور من أمثال جون بولتون ومايك بومبيو وآخرين. فمخاوفهم كانت تكمن في أنه سيكون على الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط الاعتراف بإيران كقوة إقليمية شرعية وإعطائها درجة من النفوذ الإقليمي. ما يجب أخذه في عين الاعتبار ليست السيطرة الإقليمية التي ربما لا تسعى إليها إيران وهي بعيدة عن تحقيقها، إنما الاعتراف بأن لديها مصالح إقليمية وأنه يجب مراعاتها لدى حل المشاكل الإقليمية. هذا الأمر مرفوض بالنسبة للصقور من الأميركيين الذين يبقى هدفهم الأساسي ضمان بقاء إيران في عزلة أبدية.